قبل تطبيق الخطة الأمنية في ​مدينة طرابلس​، التي ساهمت في توقيف من كانوا يسمّون سابقاً بـ"قادة المحاور"، كانت أغلب جولات العنف، على محاور القتال التقليدية بين جبل محسن وباب التبانة، تربط بالأحداث السورية، من خلال وضعها في سياق معارك توصف بـ"الحاسمة" بين الجيش السوري ومجموعات المعارضة المسلحة، لكن في لحظة ما صدر القرار الكبير بإزالة فتيل التفجير من عاصمة الشمال، فجاءت معركة جبال القلمون السورية لتؤكد ما كان معروفاً من الجميع: تحريك الساحة الشمالية لم يكن يحصل من دون غطاء سياسي إقليمي وداخلي.

اليوم، تتابع طرابلس الأنباء عن المعارك التي تدور على الحدود اللبنانية السورية لناحية البقاع، لكنها تعيش أجواء طبيعية جداً، بعد أن كانت شهدت معركة حامية بين القوى والشخصيات السياسية الفاعلة داخلها في إنتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، أثبتت من خلالها أنها ترفض إلغاء أي فريق من المعادلة، في حين عملت الأجهزة الأمنية على ملاحقة فلول المجموعات التي كانت تعمل على توتير أوضاعها، من خالد حبلص إلى أسامة منصور وشادي المولوي.

وعلى عكس ما كان الوضع عليه في السابق، تبدي أكثر من شخصية طرابلسية فاعلة إرتياحها إلى الوضع الأمني فيها، وترى أن من الواجب الذهاب نحو المشاريع الأمنية التي تحصنها أكثر في وجه من يسعى إلى إستغلال الفقر ليحول شبابها إلى قنابل متنقلة، وتذكر بتوارد الأنباء عن مقتل بعضهم في المعارك التي تدور على الأراضي السورية والعراقية، وتضيف: "الكثير منهم ذهب إلى هناك أصلاً بسبب اليأس من الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، وهناك أيضاً من جرفته الموجة المذهبية التي جرى العمل على تغذيتها على مدى سنوات".

بالنسبة إلى مصادر مطلعة في المدينة، الإنماء هو عنصر أساس في تدعيم الإستقرار، ويجب أن يكون وفق خطة ممنهجة من قبل الحكومة اللبنانية، وعندها سيدرك الجميع أن الطرابلسيين لن يعودوا إلى الوراء، لكن حتى الساعة لم تقم الحكومة بأي خطوة جدية على هذا الصعيد، الأمر الذي يطرح حوله علامات الإستفهام.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن هناك قناعة بأن إستخدام المدينة كورقة أمنية أو صندوق بريد كان بموجب قرار إقليمي ومحلي كبير، وتؤكد بأن الهدوء الحالي هو بموجب قرار على المستوى نفسه، وتوضح أن الدعائم الأولى له كانت من خلال الإتفاق على تشكيل حكومة تمام سلام وإبعاد كل المشاركين في جولات العنف عن الواجهة، ومن ثم الذهاب إلى الحوار بين "حزب الله" وتيار "المستقبل".

من حيث المبدأ، ترى هذه المصادر أن إستمرار هذا القرار على ما هو عليه يعني أن عاصمة الشمال سوف تحافظ على إستقرارها النسبي، لكنها تعرب عن أسفها لأن تحقيقاً جدياً في أسباب ما كان يحصل لم يفتح حتى الآن، وترى أن من المستبعد حصول ذلك، بالرغم من الإعترافات التي أدلى بها البعض من "قادة المحاور" في المحكمة العسكرية، وتلفت إلى أن أغلب أبناء طرابلس يدركون بأن فتح المعارك لم يكن يحصل بقرار محلي، لا سيما أن المشاركين فيها هم من الفقراء الذين لا يملكون القدرات المالية التي تسمح لهم بتغطية تكاليفها الباهظة.

وتستبعد المصادر الطرابلسية المطلعة أن تكون هناك أي تداعيات حالياً لمعركة جبال القلمون السورية على الأوضاع في المدينة، لكنها ترى أن من الممكن حصول ذلك، في حال وجد من كان يعطي إشارة توتير الأجواء مصلحة بالعودة إلى العهد السابق، إلا أنها تؤكد بأن أبناء عاصمة الشمال باتوا يدركون الحقيقة، وتضيف: "مع الأسف دفعنا ثمن رهانات البعض على الأحداث السورية، ورغباتها المحلية أيضاً، وعندما لم يعد لديه مصلحة تخلى عمن وقفوا إلى جانبه".

الأهم من كل ذلك، من وجهة نظر هذه المصادر، هو الذهاب نحو المصالحة الحقيقة، حيث تشير إلى أن المواطنين أثبتوا أنهم قادرون على العيش معاً بطريقة طبيعية جداً في ظل غياب السياسات التحريضية، وتذكر بالتضامن الذي حصل بعد التفجير الإرهابي في جبل محسن، وتضيف: "في كل يوم على قيادات المدينة التفكير بالمبادرة بهذا الإتجاه لأن نتائجها ستكون مهمة جداً".

في السابق كان وزير الداخلية والبلديات مروان شربل يؤكد أن الأمن في البلاد سياسي بالدرجة الأولى، واليوم يتحدث وزير العدل أشرف ريفي بأن هناك قراراً خارجياً يمنع إنتقال نيران معارك القلمون إلى الساحة اللبنانية، لكن من كان يشعل طرابلس بين الحين والآخر؟