مِن المُبكر القول أن القمة الأميركية - الخليجية، التي عُقدت في كمب ديفيد الأسبوع الماضي، قد نجحت في إزالة الالتباس المتزايد من مواقف الإدارة الأميركية، سواء في الملف النووي الإيراني، أو بالنسبة للأزمة المتفجّرة في اليمن، وما سبقها من تمدّد إيراني على الخريطة السياسية العربية.

لا شك أن النقاشات المباشرة التي دارت بين الرئيس الأميركي، وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، شكّلت فرصة مهمة ليسمع سيّد البيت الأبيض مِن أقدم وأقوى حلفاء أميركا في المنطقة، عرضاً مفصلاً لخلفيات التطورات الملتهبة في المنطقة، والمخاطر المترتبة على السكوت الأميركي عن استفحال التدخل الإيراني في الشؤون العربية، وما يصاحبه من تمويل ميليشيات، وإثارة اضطرابات، والتي كان آخرها في بلاد اليمن السعيد، الخاصرة الرخوة في الجسم الخليجي.

ولعل أهمية انعقاد هذه القمة كانت مضاعفة، لأنها جاءت على دويّ «عاصفة الحزم»، وبعيداً عن المواقف الهادئة والتصدي الخليجي الناعم حيناً، والخجول أحياناً، الذي كان معتمداً حتى الأمس القريب، في مواجهة الهجمة الإيرانية الشرسة، على الملفات الساخنة في الإقليم العربي.

قبل عاصفة الحزم كان الموقف العربي، لاسيما الخليجي، يتّصف بكثير من التردد والضعف، في حين تبدّل المشهد بسرعة، بل انقلب رأساً على عقب، بعد إطلاق السعودية التحالف العربي في عاصفة الحزم، واللجوء إلى القوة العسكرية للدفاع عن أمن واستقرار المنطقة بأسرها، والحؤول دون وقوع اليمن في فخ النفوذ الإيراني.

ولم يعد سراً أن العاصفة اليمنية، كانت في مقدمة العوامل التي فرضت انعقاد القمة الخليجية - الأميركية، على وجه السرعة، فضلاً عن استنفار الدبلوماسية الأميركية في أكثر من اتجاه، وخاصة مع موسكو، للبحث في الخطوات التي تُعيد الأمور في اليمن إلى وضعها الطبيعي، أي إلى ما قبل الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية.

* * *

منذ الأيام الأولى للانقلاب الحوثي والسيطرة على مراكز القرار في صنعاء، كان الموقف الأميركي ملتبساً، إذا لم نقل متخاذلاً، لأن محادثات الملف النووي الإيراني كانت تشكّل الأولوية المطلقة للدبلوماسية الأميركية، ورئيسها المخضرم جون كيري، الأمر الذي فرض على القيادات الخليجية الإعداد لمواجهة التحدّي الإيراني في اليمن، ولو اقتضى الأمر استخدام القوة، وكل الطاقات المتاحة، على اعتبار إن أمن المنطقة بأسرها أصبح مرتبطاً بما يجري في اليمن، من اجتياح إيراني مقنّع بالحركة الحوثية.

وأثبتت وقائع «عاصفة الحزم» قدرات السعودية ودول التحالف على الإمساك بزمام المبادرة العسكرية والدبلوماسية، منذ الأيام الأولى لاندلاع رياح العاصفة، حيث استطاعت إحكام سيطرتها على الأجواء اليمنية، وعملت بسرعة على تعطيل المطارات العسكرية ومواقع المضادات الجوية، وفرضت حصاراً بحرياً مشدداً على الموانئ اليمنية حال دون وصول أي مساعدات عسكرية للحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح.

ولأن المشاركة البرية لم تكن أصلاً واردة في خطة «الحزم»، فقد ركزت السعودية ودول التحالف على تسليح وتدريب أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي، والعشائر والقبائل المؤيدة له، لتتولى التصدّي للميليشيات الحوثية على المدن اليمنية شمالاً وجنوباً.

في هذا الوقت بالذات، كان ممثلو الأطراف السياسية اليمنية يبدأون اجتماعاتهم في الرياض، للبحث في الحل السياسي القادر على إنهاء الأزمة، فكرّست السعودية بذلك مبادرتها الدبلوماسية والسياسية، جنباً إلى جنب مع المبادرة العسكرية، الأمر الذي قطع الطريق على محاولات الاصطياد في المياه اليمنية العكرة، والتسلل إلى الداخل الخليجي.

* * *

هذه الوقائع العسكرية والسياسية، كانت حاضرة بقوة في واشنطن، قبيل القمة مع زعماء الدول الخليجية، وخلالها، حيث أكدت المجموعة الخليجية قدراتها على الاعتماد على النفس، إلى حد كبير، في الدفاع عن أمنها، وعن مصالح شعوبها، بقدراتها الذاتية، بعدما صرفت المليارات على قواتها المسلحة، للحصول على أفضل أنواع الأسلحة، وأكثر تقدماً، منذ حرب الخليج الأولى.

والتقارير الأولية عن نتائج قمّة كمب ديفيد، غير المسبوقة، تُشير إلى نجاح القادة الخليجيين في تحقيق الأهداف التي وضعوها لهذه القمة، والتي تدور معظمها حول إبراز مخاطر التدخل الإيراني في الشؤون العربية، وإثارة الفتن والاضطرابات، بما يضر ليس بأمن المنطقة وحسب، بل بالأمن العالمي، خاصة بعدما تحوّلت المواجهات المسلحة في أكثر من دولة عربية بين الجماعات المتطرفة المحسوبة على إيران، وتلك التي تعادي التمدد الإيراني، تحت تسميات مذهبية وعقيدية شتى.

ويبدو أن الإدارة الأميركية الأوبامية أصبحت أكثر تفهماً لخلفيات القلق الخليجي من النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، والذي أصبح من أبرز عناصر عدم الاستقرار في الإقليم، ويهدد بانتقال المنطقة إلى مرحلة من الحروب الإتنية والمذهبية، ليس ما يضمن أن نيرانها ستبقى محصورة بحدود إقليمية معينة.

وما رشح حتى الآن عن نتائج القمة، يُفيد بالتوصل إلى تفاهمات أميركية - خليجية حول نقاط أساسية يمكن اختصارها بما يلي:

1 - تفهم أميركي أكثر إيجابية للهواجس الخليجية من السياسة الإيرانية التوسعية.

2 - تشجيع أميركي لمساعي التوصّل إلى حل سياسي، مع تعهد بالتواصل مع موسكو وطهران لهذا الغرض.

3 - التأكيد على دور السعودية والمبادرة الخليجية في تحقيق الوفاق والسلام في اليمن.

4 - التزام أميركي بتسريع تنفيذ صفقات الأسلحة، والإسراع في تسليم طلبات الذخيرة والعتاد.

5 - تكثيف المناورات العسكرية مع الدول الخليجية.

6 - تأكيد الالتزام الأميركي في تفعيل المعاهدات الأمنية والعسكرية، بما في ذلك الدفاع عن أي دولة خليجية تجاه أي عدوان خارجي.

* * *

وأخيراً لا بدّ من الإشارة إلى أن الجانب الأميركي فوجئ في قمّة كمب ديفيد بوحدة الموقف الخليجي، وتطابق وجهات النظر بين القادة الخليجيين، في أدق التفاصيل، والطروحات كانت صريحة وواضحة، الأمر الذي أدى إلى إفشال كل الرهانات الأخرى..!