دخلت الولايات المتحدة الأميركية، بما لا يقبل الشكّ، على خط إنقاذ المملكة العربية السعودية من الأزمات المتعددة التي تمر بها، خصوصاً أن تداعيات سقوطها ستكون الأخطر على مصالح واشنطن بالمنطقة، في ظل موجة نمو الجماعات الإرهابية المتطرفة بشكل متصاعد.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لا يمكن تصور الشرق الأوسط من دون "الضابط الخليجي"، حتى لو نجحت المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية في تحويل طهران إلى عامل مساعد في ضبط الأوضاع، فإيران لا يمكن أن تحلّ مكان الرياض، والأخيرة قادرة على خلق توازن مطلوب مع الأولى.

من وجهة نظر مصادر مراقبة، لا يمكن فصل الإعلان عن إتصالات بين واشنطن وجماعة "أنصار الله"، في العاصمة العمانية مسقط، عن هذا المسار، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إخراج السعودية من "فخ" الحرب اليمنية التي وقعت فيه، لا سيما بعد أن أصبحت من دون أهداف أو عناوين، وتشير إلى أن المطلوب التوصل إلى حل يحفظ ماء وجه الرياض في المنطقة، نظراً إلى أن إنكسارها سيكون له تداعيات كبيرة لا أحد قادر على تحملها في الوقت الراهن.

وتعود هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى المواقف الأميركية المتعاقبة في الأشهر الماضية، بدءاً من تحذيرات الرئيس باراك أوباما من أوضاع الدول الخليجية الداخلية، وصولاً إلى التطمينات التي قدمها خلال لقاء قمة "كامب ديفيد" الشهير، لتعتبر أن واشنطن، التي تريد من الحليف الخليجي أن يفهم أن التغريد خارج سربها غير مقبول، لن تتخلى عنه من أجل بناء تفاهم غير مضمون مع إيران، وتلفت إلى أن هذا الأمر واضح من خلال الإستعداد لتقديم أي مساعدة عسكرية ممكنة، قادرة على طمأنة الدول الخليجية بأنها لن تكون وحدها في مواجهة النفوذ الإيراني، في حال قرر التقدم أكثر نحو أراضيها.

وسط هذه الخيارات المحسومة، وقعت أحداث مهمة على الصعيدين، الداخلي السعودي والإقليمي، تمثلت بتنفيذ تنظيم "داعش" الإرهابي تفجيرات داخل المملكة، وفي تبديل موازين القوى في أكثر من ساحة مشتعلة، خصوصاً في سوريا والعراق، وفي الأمرين لم تجد الولايات المتحدة مصلحة لها في إستمرار الأوضاع على ما هي عليه.

في هذا السياق، تقرأ المصادر المراقبة في التفجيرات الأمنية داخل المملكة مساع لتحجيم دور السلطة المركزية، المتمثلة بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، نظراً إلى أنها تشير إلى نمو التيار المتطرف الموجود في السعودية منذ سنوات طويلة، والقادر على إرباك الوضع الداخلي من خلال إشغال الرياض في معارك جانبية، أما بالنسبة إلى تطورات المنطقة التي إستهدفت حلفاء طهران بالدرجة الأولى، فإن نتائجها لن تكون كما تطمح الولايات المتحدة على ما يبدو.

وتشير هذه المصادر إلى أن المعطيات الأخيرة تؤكد بأن القيادة الإيرانية قررت الدفاع بكل قوة عن حلفائها في سوريا والعراق، من خلال العمل على توحيد الجبهات أولاً، ونقل مساعدات عسكرية ولوجستية إلى البلدين، خصوصاً أن طهران تعتبر أن نفوذها الحالي ما كان ليكون لولا وقوف هؤلاء معها في السنوات الماضية، وبالتالي لا يمكن السماح بإضعافها في مرحلة التفاوض بعد إنتصارها على مدى سنوات الصراع الطويلة، خصوصاً أن إضعافها سياسياً يعني إمكانية الإنقضاض لاحقاً على الإتفاق الذي توصلت له نتيجة إعتراف العالم بحقوقها بسبب قوّتها.

على صعيد متصل، تلفت هذه المصادر إلى أنه في الوقت الذي كان من المفترض إدخال القوات العراقية والسورية في حرب إستنزاف، من خلال تقدّم تنظيم "داعش" الإرهابي على الأرض، إنقلبت الأمور رأساً على عقب من خلال تكتيكات المحور المقابل، حيث وجدت واشنطن نفسها مضطرة إلى الإعتراف بشرعية مقاتلي "الحشد الشعبي" في العراق لمواجهته، وإلى البحث عن حلول في الساحة السورية، خصوصاً في ظل المعارك التي إندلعت في ريف حلب بين قوى المعارضة السورية، المدعومة من قبلها، وعناصر "داعش".

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر المصادر المراقبة أن بدء مرحلة إنقاذ الرياض لا يمكن أن يكون إلا عبر الساحة اليمنية، حيث العنوان الأساس الذي ساهم في توتير الأوضاع المذهبية وتهديد أمن السعودية من خلال حركة "أنصار الله"، كما أنه قد يكون في حال النجاح بالتوصّل لحلّ سياسي، البوابة القادرة على فتح باب التفاوض مع إيران في المستقبل القريب، لكن الأكيد، من وجهة نظرها، فان السعودية غير قادرة على تحمل إستمرار الوضع على ما هو عليه اليوم، خصوصاً بعد ظهور اللجان الشعبية في المناطق الشرقية، وغياب الرايات التي تمثلها عن التحركات التي يقوم بها سكان تلك المناطق، المقربين من طهران لأسباب عدّة.

في المحصلة، بدأت الولايات المتحدة مرحلة إنقاذ السعودية من اللعب على حافة الهاوية، ومصالحها هي العامل الأساسي في المساعي التي تقوم بها، لكن هل تنجح في ذلك أم أن الوقت سبقها؟