لا تزال الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء معلقة بفعل سياسة التروي التي ينتهجها الرئيس تمام سلام، ولا يعني ذلك ان الرجل سيبقى متفرجاً على الشلل الذي بدأ يدب في أوصال هذه المؤسسة بعد استفحال هذا "الفيروس" في رئاسة الجمهورية وتمدده الى مجلس النواب.

وعلى رغم كل الجهود التي تبذل لمعاودة انطلاق العمل الحكومي وعدم ازعاج وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" ولاسيما العماد ميشال عون والدور الذي يضطلع به الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، الا ان محاولتهما لم تأخذ طريقها الى التطبيق بعد في ظل المخارج المقفلة في هذه اللحظة السياسية اذ تتجه الأنظار اكثر الى مسرح الخريطة السورية الملتهبة وخصوصا بعد سيطرة المعارضة على اللواء 52 في درعا وهو احدى كبرى القواعد العسكرية للنظام في الجنوب. وكان لهذا التطور الميداني تغريدة خاصة من جنبلاط.

وبات السؤال الذي يطرح: هل تكفي ارادة بري وسعيه الدؤوب الى تشغيل الحكومة وعدم مجاراته عون في فرض تعيين قادة الأجهزة الامنية، ولاسيما بعد زيارة سلام الى السعودية، والتي لم توحِ بأي تقدم او بصيص امل يساعد في عودة الروح الى السرايا الحكومية حتى الآن، ولاسيما ان اصواتا من "تيار المستقبل" بدأت تتحدث عن عدم القبول بتكبيل رئيس الوزراء والنيل من صلاحياته او الحد منها؟ ويلقى هذا الرأي تأييداً من الوزراء المسيحيين في 14 آذار، لأن أكثرهم يريد مواصلة تصفية حساباته مع الرابية في ظل عدم ارتياحهم لمشهد رؤية رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في دارة الجنرال وفتح صفحة جديدة بين الطرفين.

وكانت قد جرت في الايام الاخيرة محاولة لعملية تمرير التمديد لعشرة ضباط من الجيش مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بغية الابقاء على هؤلاء ومنع احالتهم على التقاعد، علما ان موعد نهاية خدمة بعضهم بات قريباً، ثم وضع اسم العميد شامل روكز من بين هذه التشكيلة. غير ان هذا الطرح قوبل بالرفض من عون لأن هدفه الأول هو ازاحة العماد جان قهوجي من رأس قيادة المؤسسة العسكرية وقطع الطريق على اسمه من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية.

وطبخت هذه التسوية في صالون عين التينة وتبخر مفعولها عند ابواب الرابية التي تصر على التعيين، وكان بري والنائب ابرهيم كنعان موفدا من عون قد عرضا هذه النقطة. وكرر رئيس المجلس عتبه وكال ملاحظاته على تفويت "التكتل" اهمية المشاركة في الجلسات التشريعية التي لم تلتئم قبل انتهاء العقد الحالي الفائت. ووصلت الى مسامع بري نقلا عن عون الجملة الآتية: "ان ما قاله بري وتوقعاته كانت صحيحة وهذا ما حصل".

ويرد رئيس حركة "امل": "ما النفع بعد خراب البصرة، وعدم تمكننا حتى الآن من انتخاب رئيس وتعطيل مجلس النواب ونقل هذا المرض الى الحكومة؟ من جهتي لن اقبل ويعرف تمام سلام جيداً ماذا في امكانه ان يفعل".

ويضيف: "إذا تعرض عضو في جسم شخص لمشكلة، وتبين ان الدواء الذي يتناوله يؤذي بقية الاعضاء هل يواصل استعماله؟".

لذلك فإن كثيرين من الافرقاء يتطلعون الى ما تسجله التطورات العسكرية الاخيرة في سوريا والعراق وصولاً الى اليمن، ولا سيما بعد تراجع موقع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الانتخابات النيابية الاخيرة التي كانت نتائجها محل سرور عند قوى 8 آذار.

وينتظر الافرقاء اللبنانيون تطورات المنطقة والمعادلات التي ستحملها والاستثمار عليها، وكيف ان جنبلاط والرئيس سعد الحريري انخرطا فيها ولو سياسياً من خلال التعويل على المساحات والمحافظات التي اصبحت في أيدي المعارضة السورية التي تسيطر عليها "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" مع توسع شعاع انخراط مقاتلي "حزب الله" في هذه المعركة وتمددهم في جرود القلمون وصولاً الى عرسال.

ويبقى بري يعول على بقاء الحكومة ودفاعه المستميت عنها بغية استمرارها للحفاظ على متابعة الحد الادنى من حياة المواطنين ويومياتهم والسعي لمنع سقوطها، الى تعويله في الوقت نفسه على حوار "حزب الله" و"تيار المستقبل" اللذين تجاوز خطابهما على المنابر كل خطوط التهدئة. ويحافظ بري على كل جسور تواصله مع الجميع من دون استثناء، من "التيار الازرق" الى "حزب الله" وما بينهما لمنع انزلاق الامور في البلد نحو الاسوأ.

وكان بري قد توقف أمام تكاتف الاكراد في تركيا تحت مظلة حزب "الشعوب الديموقراطي" والصفعة التي وجهوها الى أردوغان. ويسترجع وقوف الاقليات في وجه المكونات الطائفية الكبرى في العقود الاخيرة. وهو لا يرى المسيحيين أقلية ويشيد بدورهم وكيف ساهم روادهم في اطلاق القومية العربية والدعوة الى نشرها، من البساتنة الى ميشال عفلق وانطون سعادة وسواهم.

ويتمنى اليوم "لو يتعلم الموارنة في لبنان من درس الاكراد في تركيا".