كما كان متوقعًا ومبرمجًا ومحسومًا، أضيف لقب "رئيس حزب الكتائب" إلى اسم النائب الشاب سامي أمين الجميل، بفوزه على منافسه ​بيار عطا الله​ بعد يومٍ انتخابي داخلي طويل..

وإذا كان مجرّد حصول الانتخابات "الكتائبية" خرق بالشكل جموداً تقبع فيه الساحة السياسية والحزبية في لبنان منذ أشهرٍ طويلة، ما دفع "الكتائبيين" للحديث عن "عرسٍ ديمقراطي" قلّ نظيره، فإنّها بالمضمون لم تمرّ دون "سِهامٍ" بالجملة رُمِيت بها في المقابل من كلّ حدبٍ وصوب، تختصرها عبارتا "التوريث السياسي" و"الإقطاعية اللبنانية" اللتان تكرّستا في هذه الانتخابات، رغم كلّ شيء...

ينظّرون بالديمقراطية ولا يمارسونها...

قيل الكثير في انتخابات "الكتائب"، سواء قبل أوانها أو خلال حصولها، وسيُقال الكثير أيضًا بعد المعركة. قيل أنّها "مسرحية استعراضيّة" لا أكثر ولا أقلّ، وقيل أنّها انتخاباتٌ معلّبة معروفة النتائج سلفاً، وأنّها أقرب للتعيين منها للانتخاب.

كلّها اتهاماتٌ كانت متوقعة سلفاً ومحسومة حتى أكثر من النتيجة التي وُصِفت بالمعلّبة، على حدّ تعبير مصادر "كتائبية" مطلعة. أصلاً، هي تنسجم برأي المصادر مع أسلوب "التنظير" الذي بات بعض اللبنانيين خبراء محنّكين به، ويستحقون شهادات دكتوراه فيه بدرجة امتياز، كيف لا وهم ينظّرون بالديمقراطية ولا يمارسونها، لا داخل أحزابهم ولا في الحياة العامة.

"لم ينتبه هؤلاء المنظّرون أنّ انتخابات الكتائب، التي وصفوها بالمسرحية، تكاد تكون الاستحقاق الديمقراطي الوحيد الذي شهدته البلاد منذ أكثر من عام"، تقول المصادر "الكتائبية"، متسائلة عمّا إذا كان البعض لم يعد يتقبّل وجود "انتخابات"، في ظلّ تعطيل الانتخابات الرئاسية عبر تطيير نصابها المفترض بشكلٍ دائم، وتعطيل الانتخابات النيابية عبر التمديد للمجلس النيابي، وتعطيل الانتخابات الحزبية الداخلية لما تبقّى من أحزابٍ تعتمدها لسببٍ غريبٍ عجيب وهو غياب التوافق، في تكريسٍ لبدعةٍ غير مسبوقة في تاريخ العمل الحزبي تقول أنّ لا انتخابات من دون توافق".

"ليت من نظّروا علينا بالديمقراطية مارسوها عملياً ليعلّمونا كيف تكون الديمقراطية الحقيقية لأنّ التنظير وحده لا يكفي"، تقول مصادر "الكتائب"، مستغربة في الوقت نفسه كيف تُختزَل الانتخابات "الكتائبية" بمقعد الرئيس وحده، في حين أنّ العملية الانتخابية كانت أوسع وأشمل بكثير، وقد مورست بكلّ ديمقراطية، حتى أنّ دورة ثانية أجريت لبعض المراكز التي لم تُحسَم من الدورة الأولى، نظراً لعدم حصول بعض المرشحين على الأكثرية المطلقة المطلوبة، وشهدت بعض المراكز منافسة شرسة على غرار تلك التي سُجّلت على مقعد النائب الثاني للرئيس بين "الرفيقين" سليم الصايغ وساسين ساسين".

هل كانت الانتخابات السورية "عرساً"؟

"المكتوب يُقرَأ من عنوانه". بهذه العبارات، تردّ مصادر سياسية معارضة لحزب "الكتائب" على الطرح الذي يخرج به الموالون، موضحة أنّ مركز الرئيس هو "بيت القصيد"، وكلّ ما عداه تفاصيل ثانوية داخلية لا تقدّم ولا تؤخّر شيئاً، ولو أجريت الانتخابات على كلّ هذه المقاعد من دون مقعد الرئيس، لما رافقتها أيّ طنّة ورنّة.

الأمر المستفزّ وسط كلّ هذه "المعمعة" بحسب المصادر هو خروج "الكتائبيين" ليعطوا اللبنانيين دروساً في الديمقراطية وكأنّهم "أسيادها"، في وقتٍ كان كلّ اللبنانيين يدركون أنّ النائب ​سامي الجميل​ سيخلف والده الرئيس أمين الجميل في رئاسة الحزب، منذ إعلان الأخير عزوفه عن الترشح، يوم لجأ النائب الشاب إلى عامل "التشويق" للإيحاء بأنّه لم يكن قد حسم أمره، "المحسوم" بحسب هذه المصادر منذ سنواتٍ طويلة، وتحديداً منذ استشهاد شقيقه بيار الجميل، وهي النقطة الفاصلة التي جعلت سامي يعود إلى أحضان "الكتائب"، باعتباره "الوريث الوحيد" المتبقي، بعد أن كان يرسم طريقاً مستقلاً لنفسه.

أبعد من ذلك، تسأل المصادر عن "الفرق" بين الانتخابات "الكتائبية" والانتخابات السورية الأخيرة، التي تنافس فيها الرئيس السوري بشار الأسد مع مرشحين تحوّلا بين ليلةٍ وضُحاها من "موالاة" النظام إلى "معارضته" هما حسان النوري وماهر حجّار، وكانا يدركان بطبيعة الحال أنّ النتيجة محسومة للأسد. وتقول أنّ "السيناريو" نفسه طُبّق في انتخابات "الكتائب" مع تطوّع الصحافي بيار عطا الله للعب دور "عرّاب" الانتخابات، وهو أعلن منذ لحظة ترشيحه أنّ النائب الجميل أكثر شعبيّة منه، بل قال في يوم الانتخاب أنه قد يحصل على صوته لوحده، وكاد يقول أنه حتى هو سيصوّت للجميل، ولكن من دونه كان النائب الجميل سيفوز بالتزكية، وهو ما سيحرمه من "لذّة" الفوز. ولكنّ النظرة "الكتائبية" للانتخابات السورية والكتائبية تصل لحدّ التناقض، رغم كونهما "نسخة طبق الأصل" بحسب المصادر، التي تحيل المتابعين لمواقف قادة "الكتائب" من انتخابات سوريا، وكيف أغدقوا عليها النعوت نفسها التي يرفضونها اليوم من "الاستعراض" و"المسرحية" و"المهزلة" إلى آخره.

وراثة ولكن!

موضوعٌ آخر أثير مع الانتخابات الكتائبية، يتعلّق ب​الوراثة السياسية​ والإقطاع العائلي، مع وصول حفيد مؤسّس الحزب إلى الرئاسة بعد والده. هي تهمة ترفضها مصادر "الكتائب"، قارئة فيها تحاملاً على النائب الجميل الذي "ناضل" بما فيه الكفاية حتى يصل إلى ما وصل إليه عن استحقاق وجدارة، وهو الذي يعرفه اللبنانيون منذ عشرات السنوات، وهو الناشط منذ كان طالباً، وقد نال "نصيبه" في الاعتصامات والاحتجاجات مثله مثل أيّ عنصرٍ "كتائبي" على الأرض، وهو صعد السلّم درجة درجة ولم يهبط بالمظلّة بين ليلةٍ وضُحاها، كغيره من "الورثة السياسيين"، وفقاً للمصادر، التي تشير إلى أنّ المعادلة واضحة: "كما أنّه من الممنوع أن يصبح شخصٌ ما زعيماً فقط لأنه ابن زعيم، من الممنوع أن يوضَع فيتو على شخصٍ ما فقط لأنه ابن زعيم، بغضّ النظر عن كفاءته وأهليّته".

قد يكون ذلك صحيحاً، تقول المصادر المعارضة، وقد يكون النائب سامي الجميل جديراً بتحمّل المسؤولية، "ولكن هل كانت طريقه ستكون مفروشة بالورود كما هي اليوم لو لم يكن اسمه سامي أمين بيار الجميل؟ وهل خلت الساحة الكتائبية من الأشخاص الذين يتمتعون بالكفاءة المطلوبة ليشعروا على الأقل بأنّ طموحهم للوصول للرئاسة مشروع فيترشحوا بالحدّ الأدنى من دون الخشية من أن يصبحوا من المغضوب عليهم؟"

ترفض هذه المصادر ما حرص "الكتائبيون" على تسريبه في الساعات الماضية من أنّ رئاسة "الكتائب" حكرٌ على آل الجميل، مستندين بذلك إلى وصول شخصيات من عائلاتٍ أخرى لرئاسة الحزب السبعيني وهم إيلي كرامة وجورج سعادة، وهو للمفارقة والد النائب سامر سعادة ما يطرح علامات استفهام إضافية حول مبدأ الوراثة، منير الحاج وكريم بقرادوني. تعتبر المصادر أنّ في هذه "الحجّة" استخفافاً بالعقول، لا لشيء إلا لكون هؤلاء إما وصلوا في الفترة التي كان فيها الرئيس أمين الجميل في رئاسة الجمهورية، وكان ابناه لا يزالان طفلين، أو حين كان في المنفى، وكان السوري هو الحاكم بأمره..

ليأخذ سامي فرصته..

عموماً، وأياً كان الموقف من الانتخابات "الكتائبية"، فإنّ الأجدى بالمؤيدين والمنتقدين على حدّ سواء أن يسعوا لتكريس الخيار الديمقراطي، وتحريك الجمود الذي تعيشه الساحة الداخلية، التي غابت الانتخابات من قاموسها، شكلية أو حقيقية..

وبين هذا وذاك، يبقى أنّ من حق النائب الجميل أن يأخذ فرصته ويطبّق مشروعه ورؤيته للحزب وللوطن، وعندها فقط يُكرَم أو يُهان، بناءً على كفاءته حصراً...