يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت لعب معظم أوراقها على الساحة السورية، بغية الدخول بشكل مباشر على مسار الأحداث هناك، لا سيما بعد تعرض الدور التركي إلى إنتكاسة، تعود إلى نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة، وتراجع نفوذ حزب "العدالة والتنمية" الداعم لقوى المعارضة السورية، المترافق مع إنشغال المملكة العربية السعودية بالحرب في اليمن.

من وجهة نظر الجانب الإسرائيلي، العمل على إحداث خرق في الجبهة الجنوبية السورية أمر ضروري في هذا الوقت، بهدف حماية حدوده من أي تطورات مستقبلية، وإضعاف الدولة السورية التي تعتبر ركناً أساسياً في حلف المقاومة، ومن أجل ذلك تصبح ذريعة الدفاع عن الأقلية الدرزية في السويداء والجولان الشغل الشاغل لأركان حكومة بنيامين نتانياهو.

في هذا السياق، تعتبر مصادر مطلعة على تطورات الأوضاع، عبر "النشرة"، أن المفارقة الأساسية في هذا الموضوع أن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو عن إصداره أمراً بالقيام بأي شيء لحماية طائفة الموحدين الدروز، جاء بالتزامن مع إستمرار الهجوم الذي تقوم به جبهة "النصرة" على بلدة حضر، الواقعة في الجانب المحرّر من الجولان السوري، في حين أن الجميع بات يعلم بالعلاقة التي تجمع الجبهة التابعة لتنظيم "القاعدة" بالجيش الإسرائيلي، باعتراف منظمة الأمم المتحدة نفسها، وتلفت إلى أن جرحى المسلحين في هذا الهجوم كانوا ينقلون إلى المستشفيات الميدانية الإسرائيلية.

وترى هذه المصادر أن من الواضح أن تل أبيب تريد أن تحافظ على علاقتها مع "النصرة" من جهة، وتسعى إلى بناء أخرى مع الدروز في سوريا، عبر تصوير نفسها بأنها "المنقذ" لهم من الجماعات التكفيرية المتطرفة من جهة ثانية، ما يعني أنها تريد دعم مختلف الأفرقاء كي تكون الرابح من المعركة أياً تكون نتيجتها، لكنها تجزم بأن المعطيات على الأرض لا تساعدها كثيراً، لا سيما في ظل فشل الهجوم المستمر على بلدة حضر، وعدم تجاوب الدروز في محافظة السويداء مع مواقفها، لا بل على العكس من ذلك المعارك الأخيرة دفعتهم إلى التمسك بالخيار السوري أكثر.

على هذا الصعيد، كانت السويداء، يوم أمس، على موعد مع تشييع عنصرين من "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، سقطا في معركة الدفاع عن مطار الثعلة العسكري، الذي يعتبر خط الدفاع الأول عن المحافظة، وكان لافتاً من خلال الحضور الشعبي أن الدماء التي سقطت ساهمت في تعاظم الرغبة بالتصدي لأي إعتداء، من خلال الوقوف إلى جانب الجيش السوري والفصائل المقاتلة معه، بعد أن ظن الكثيرون أن المجزرة التي ارتكبت في بلدة قلب لوزة في جبال السماق بريف إدلب ستدفع الأهالي إلى التراجع أو الإستسلام، لا سيما أن توقيتها جاء بالتزامن مع بدء المعركة في المطار، ما يعني أنها تأتي بشكل مباشر في سياقها.

وتشير مصادر مطلعة من داخل المحافظة السورية، عبر "النشرة"، إلى أن المواقف التي تم التعبير عنها، خلال مراسم التشييع، كانت بالغة الأهمية، لا سيما لناحية التأكيد أن المشكلة ليست مع "الجيران" في حوران، كما يحاول البعض تصويرها، لوضعها في سياق مذهبي، بل هي مع "الغرباء" الذين قدموا من مختلف دول العالم لبناء "إمارتهم"، ومع القوى الخارجية الداعمة لهم، بالإضافة إلى التشديد على ضرروة الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الدولة، ورفض خيار الدويلات المذهبية أو الإرتماء بوجه الإسرائيلي.

وتعتبر هذه المصادر أن الرد على كلام نتانياهو جاء سريعاً من قلب السويداء، ما يسقط نظرية "المنقذ" بشكل كامل، وترى أن هذا الأمر قد يدفع الحكومة الإسرائيلية في الأيام المقبلة إلى تكثيف دعمها إلى المجموعات المسلحة بغية إحداث خرق ما، وتشير إلى أن ذلك قد يترجم في بلدة حضر بشكل أساسي، نظراً إلى أنهم يعتقدون أنها "خاصرة رخوة"، من الممكن أن تشكل عامل ضغط نفسي إضافي على أهالي السويداء.

في المحصلة، لم تنجح الأحداث المستمرة في بروز خطاب مذهبي يدفع إلى خيار الدويلة الطائفية أو إعلان الحياد من جانب أبناء طائفة الموحدين الدروز في سوريا، باستثناء قلة قليلة منهم، كما فشلت في دفعهم إلى طلب الحماية من الجانب الإسرائيلي، إلا أن هذا لا يعني أن محاولات تل أبيب ستتوقف لا بل ستتعاظم، وستستمر على المنوال نفسه، تدعم "النصرة" من جهة وتدعي الرغبة بحماية الدروز من جهة ثانية.