حل ​شهر رمضان​ المبارك على الغزيين هذا العام في ظل ظروف مأساوية قاسية وأحوال بائسة، بفعل الاحتلال والحصار وتأخر إعادة الإعمار والأزمات المتعددة في الوقت الذي لا تزال فيه غزة تنفض عن نفسها غبار الحرب لما خلفه الاحتلال الإسرائيلي من دمار، إذ أتى الشهر الفضيل مع تزايد معدلات البطالة والفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية.

رغم ذلك يحاول أهل القطاع المحاصر صناعة الفرح متحدين قساوة الأوضاع والألم، في محاولة لإدخال بهجة الشهر على أنفسهم عموماً، وأطفالهم خصوصاً، في وقت تعاني الأسواق الغزية من ضعف الحركة الشرائية والإقبال من قبل رواد الأسواق الذين تعددت أزماتهم وأحوالهم القاسية، ما يعبر عن واقع مرير وسوء الأوضاع المعيشية التي لم يشهدها القطاع خلال العقود الأخيرة.

محاولة للفرح..

الشهر الفضيل بالنسبة الفلسطيني مازن أبو سرحان، الذي هدم الاحتلال الاسرائيلي منزله خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة في منطقة حي الفخاري إلى الشرق من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزّة، هو محاولة للفرح رغم ما أصابه وعائلته من ألم وتشريد أثناء وبعد العدوان. ويقول لـ"النشرة": "رغم ما تعرضنا له خلال العدوان، وما نعانيه الآن من ظروف مأسوية تتمثل في الإغلاق والحصار وعدم الإعمار، إلا أننا نحاول أن نصنع الفرح لأجل أطفالنا من خلال إدخال مظاهر الفرح والبهجة وزينة رمضان في المنزل".

أبو سرحان يعاني من ظروف معيشية صعبة، إذ إنه يسكن الآن وعائلته في منزل للإيجار، وقد عمل لمدة شهرين فقط على أحد برامج البطالة التي تنفذها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" وبراتب محدود لا يكفي لسد احتياجاته خصوصاً في شهر رمضان الذي تزيد فيه متطلبات وحاجيات الأسرة.

ويتابع وهو يتسوق هو وابنته سارة: "في العدوان الأخير لجأنا إلى أحد المساجد وسط خان يونس ومكثنا فيه طيلة أيام العدوان، والآن ظروفنا صعبة ولدي طفل مريض ويعالج في مشفى المقاصد بالقدس المحتلة، ونحن الآن في رمضان، كل ذلك يحتاج إلى تكاليف وأنا فعلياً لا أستطيع توفيرها ولا يوجد لدي دخل أساسي لتلبيتها".

حركة ضعيفة..

وفي سوق خان يونس الشعبي جنوب قطاع غزة، وقف البائع أحمد البيوك وهو صاحب محل مواد غذائية ومستلزمات رمضان، أمام بضاعته التي تكدست نتيجة ضعف الإقبال والحركة الشرائية هذا العام، رغم أنّ محله التجاري يقع في المنطقة الأكثر اكتظاظاً في السوق عن غيرها.

ويقول لـ"النشرة": "الحركة الشرائية ضعيفة، والبيع محدود، كنا في أول أيام رمضان وقبله نبيع بشكل كبير جداً، والآن كل شيء تغير".

ويعزو البيوك ذلك، إلى أوضاع أهالي غزّة الصعبة، خصوصاً في ظل الأزمات التي يعانونها وعدم تلقي ما يقارب الـ45 ألفاً من موظفي حماس رواتبهم".

ويتابع: "رب الأسرة الذي كان يشتري لأطفاله ثلاثة او أربعة علب من أحد الأصناف، الان أصبح يشتري واحدة، وبالكاد يشتري عددًا آخر من الأصناف الأخرى رغم أنّ 90% من أصناف رمضان متوفرة".

تفاؤل!

أما بالنسبة للشاب شادي المصري، وهو صاحب محل ألعاب أطفال وفوانيس رمضان، فالحركة الشرائية جيدة مقارنة بالعام الماضي، إذ حل شهر رمضان حينها بالتزامن مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويوضح لـ"النشرة" قائلاً: "العام الماضي أغلقنا محالنا والوضع كان سيئًا جداً، ولم نستطع بيع أي شيء، أما هذا العام فالأمور مختلفة نوعاً ما وهناك إقبال خصوصاً من قبل الأطفال على شراء زينة وفوانيس رمضان".

ويعبر المصري وهو يقف بين الفوانيس وألعاب الأطفال المضيئة التي تعددت أنواعها وألوانها، عن تفاؤله برزق وفير من موسم شهر رمضان والعيد القادم على عكس العام الماضي "الذي عشناه بالألم والدموع والدمار".

المشهد المؤلم...

ويصف الخبير الاقتصادي وأستاذ علم الاقتصاد بجامعة الأزهر في غزة معين رجب المشهد الاقتصادي في القطاع بالمؤلم، مشيراً إلى أنه "انعكاس لما يمر به قطاع غزة من أزمات وحصار".

وفي حديث إلى "النشرة"، يوضح رجب أنه وبعد حرب إسرائيل على القطاع، أصبحت الأوضاع بالغة الصعوبة، "إذ اشتد علينا الحصار وأغلقت أمامنا الأبواب، ومنعت عنا مواد البناء التي من المفروض أن تعيد إعمار غزة"، مشيراً إلى أن هذه الظروف والأحوال تراكمت وساهمت في تضييق الخناق على حياة السكان والمواطنين في القطاع المحاصر.

وفي الأصل، يأتي شهر رمضان ويفترض أن يكون هنالك حركة شرائية جيدة في الأسواق، لكن رجب يعزو عدم تحقيق ذلك، لارتباط ذلك بتوفر السيولة لدى الطبقات العالية على عكس الطبقة المتوسطة التي بات حالها ليس جيداً.

ويضيف رجب: "المجتمع يعاني من الفقر وارتفاع نسبة البطالة إلى 55%، كل ذلك يدلّ على أنه لا يتوفر المال الكافي لدى المواطنين لشراء حاجياتهم، هو يتوفر لدى البعض، أما البعض الآخر فلا يستطيع إلا شراء أقل القليل ما ينعكس على الموسم الذي من المفروض أن يكون موسم الرواج بالنسبة للتجار".

لكنّ بائع المواد الغذائية أحمد الفرا، يرى أن أسباب ضعف الحركة الشرائية يرجع إلى فرض المزيد من الضرائب على عديد من السلع والأصناف

ويقول لـ"النشرة"، إن المواطن أصبح لا يستطيع شراء بعض السلع الرمضانية على سبيل المثال كـ"قمر الدين" الذي كان سعره 1.5 دولار، وأصبح 3.3 دولار للقطعة الواحدة وفق قوله.

للاطلاع على مزيد من صور أجواء شهر رمضان في غزة اضغطهنا