لم تنته معركة جرود عرسال على الرغم من قُرب إنقضاء الشهر الثاني على إندلاع المعارك من جرود القلمون، وعلى الرغم من بداية شهر رمضان، بل إنّ المعركة الحالية في "الجرود" عبارة عن سلسلة من المعارك المُتتالية، وتختلف عن كل من معركة "القصير" التي كانت قد دارت في أيّار وحزيران من العام 2013 وإنتهت في 18 يوماً، ومعركة "يبرود" والقرى والبلدات المحيطة والتي كانت إمتدّت من مطلع شباط حتى 17 آذار 2014.

صحيح أنّ "حزب الله" وبعد أقل من شهرين من الجولات القتالية تمكّن من السيطرة على ما بين 80 إلى 85 % من المساحة الإجمالية التي كان ينتشر فيها إرهابيّو "داعش" و"​جبهة النصرة​"، ولكنّ الأصحّ أنّ هذه السيطرة ليست ميدانية مئة في المئة، بل تنقسم إلى سيطرة ميدانية فعليّة على مجموعة كبيرة من التلال والهضاب، وسيطرة ناريّة على أخرى، بمعنى أنّ مُقاتلي "الحزب" لم يدخلوا بعد إلى كل المناطق الجرديّة التي أعلن عن إنتهاء القتال فيها، ولكنّهم شلّوا الحركة الميدانية فيها بالنار من مواقعهم الإستراتيجيّة المُطلّة عليها، بحيث باتت هذه المناطق بحُكم الساقطة عسكرياً. وأحدث الهجمات الميدانية الناجحة لمُقاتلي "الحزب" في الساعات القليلة الماضية سُجّلت في جرود الجراجير في منطقة القلمون السوريّة، حيث تواصل تقدّم الجيش السوري والقوى الحليفة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ المعركة الدائرة في جرود القلمون وعرسال ليست سهلة على الإطلاق، وكلفتها البشريّة هي الأعلى في مكان واحد منذ تورّط "حزب الله" إلى جانب النظام السوري. وعلى الرغم من المكاسب الميدانية المُهمّة التي تحقّقت، وعلى الرغم من سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف "داعش" و"النصرة"، فإنّ خسائر "الحزب" تُعَدّ مُرتفعة، مُقارنة بنتائج المعارك السابقة، خاصة وأنّ المعركة لم تنته بعد، وهي لا تزال تضم أكثر من مرحلة. إشارة إلى أنّ الخسائر الأكبر لم تقع في عمليّات إقتحام المواقع، بل في الصواريخ المُضادة للدروع التي تمّ إطلاقها على آليّات ومواقع "الحزب"، ومنها صواريخ "كونكورس" و"كورنيت"، وهي الصواريخ نفسها التي كانت أوقفت تقدّم الدبّابات الإسرائيليّة في "وادي الحجير" وغيره خلال "عدوان تمّوز" 2006.

وبهدف خفض الخسائر البشريّة التي تستنزف قوّاته، يُواصل "حزب الله" عمليّة القضم المُتتالي للتلال والهضاب بشكل مدروس بعناية، لجهة التمهيد بضرب الدفاعات فيها عبر غارات جويّة وقصف مدفعي وصاروخي عنيف، قبل تحريك مجموعات قتالية برّية بأعداد كبيرة للإطباق عليها. والتكتيك الذي يعتمده "الحزب" حالياً يقضي بتشتيت القوى المُدافعة عن أيّ موقع، قبل إطلاق أيّ هجوم ميداني، وذلك عبر إستخدام الصواريخ المُوجّهة المتطوّرة لضرب وتدمير كلّ الآليّات المُتحرّكة للإرهابيّين في المنطقة المُستهدفة، لا سيّما سيارات "بيك آب" المزوّدة بمضادات أرضيّة، لإضعاف قدرتهم على المُقاومة وعلى التحرّك الميداني بين الجرود، وكذلك عبر إستهداف القادة الميدانيّين لتنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة"، وذلك بعد عمليّات رصد جوّي وميداني طويلة. وما أن تسنح الفرصة لضرب مجموعة من القادة الميدانيّين، أو لتدمير أكثر من آليّة لهم في موقع مُحدّد، حتى ينطلق "الحزب" في هجوم برّي مُركّز، مُستغلاً حال البلبلة والضياع التي تكون سائدة. وفي السياق عينه، عمد "الحزب" أكثر من مرّة، وآخرها في جرود الجراجير، إلى الإستفادة من الضعف الذي يُصيب الإرهابيّين عند تنفيذهم هجوماً فاشلاً على مواقعه، لإطلاق هجوم مُضاد بشكل سريع مُستغلاً الخسائر التي تكون وقعت في صفوف المُهاجمين.

في الختام، الأكيد أنّ معركة جرود القلمون وجرود عرسال لم تبلغ نهايتها بعد، حيث يُتوقّع إستمرار جولات القتال في المُستقبل، في ظلّ مَيلان واضح لكفّة موَازين القوى لصالح "حزب الله"، على مُستوى كل من العديد والعتاد وخصوصاً القدرة على تأمين الدعم، بعكس إرهابيّي "داعش" و"النصرة" شبه المُحاصرين والذين باتت المساحة الجغرافيّة التي يُسيطرون عليها ضيّقة جداً..