بعيداً عن النظرة إلى الجماعات الإرهابية المتطرفة ودورها، يجب الإعتراف بأنها، أو الجهة التي تقف خلفها، تملك قدرة كبيرة على الإستفادة من أي حدث محلي أو دولي، وتوظيفه بما يخدم مصالحها على صعيد عملية الإستقطاب التي تحتاج لها في تدعيم ركائز قوتها، فهي من دون بيئة حاضنة متعاطفة مع أعمالها لا تستطيع التقدم خطوة إلى الأمام.

من المسلم به تاريخياً، أن تلك الجماعات لم تخرج إلى النور من فراغ، بل هي نتيجة لتراكم الكثير من الأزمات، أبرزها حالة الإحباط التي يمر بها الشارعان العربي والإسلامي منذ سنوات طويلة، والي تمثلت في عجز أغلب الأنظمة الحاكمة عن التصدي للتحديات المصيرية، لا بل مبادرتها إلى فتح جبهات جديدة تدرك مسبقاً أنها ستخرج منها خاسرة، بالإضافة إلى عملها على إعطاء الصراعات السياسية صبغة مذهبية خطيرة جداً.

في هذا السياق، يبرز في هذه الأيام توقيع الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى، وهو يعتبر الحدث الأبرز على مستوى المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة، لا سيما أنه جاء بعد سنوات طويلة من العداء والصراع بين إيران والولايات المتحدة، وقعت خلالها العديد من الحروب بالوكالة، ولم تكن الدول العربية، خصوصاً الخليجية، بعيدة عنها، بل ذهبت إلى إعلان العداء الواضح لطهران، بعد أن أقنعت مواطنيها بنظرية "الإيرانوفوبيا"، مع العلم أن واشنطن كانت المستفيد الأول من هذا الأمر.

وفي حين يتحدث أغلب المراقبين عن إمكانية أن يكون الإتفاق بوابة الحلول لملفات المنطقة العالقة، تدعو مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى مراقبة الموقف السعودي، الذي يعبّر من حيث المبدأ عن موقف أغلب الدول العربية الخليجية، وتشير إلى أن المسار الذي جاء فيه التوقيع يعتبر إنتصاراً إيرانياً مقابل هزيمة المحور الآخر في المنطقة، الأمر الذي سيترك تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة.

في الجهة المقابلة، سجلت القوى المناوئة لطهران إحباطاً جديداً، تؤكد المصادر المراقبة أنه لا يقتصر على دوائر صنع القرار بل يمتد بشكل كبير إلى الشارع، فبعد العجز في مواجهة الخطر الإسرائيلي والتحديات المحلية الكثيرة، يعتبر الرأي العام في أغلب الدول العربية أن حكوماتها لم تنجح في منع "الخطر الفارسي" من التعاظم، ويحمل المسؤولية عن الحالة التي وصلت إليها الأمور، حيث بات الحديث في الشارع الخليجي نفسه عن نجاح النموذج الإيراني بسبب إدارته الحكيمة، مقابل الفساد الذي يعتري مراكز صنع القرار فيه، التي كانت في السنوات الأخيرة تسعى إلى إكتساب شرعيتها من خلال تعظيم "الإيرانوفوبيا" على نحو كبير، ما جعلها تنفق أموالها الطائلة على شراء الأسلحة من الدول المصنعة على حساب السياسات الإنمائية.

وسط حالة الإحباط التي يمر بها الشارع، بالتزامن مع فقدان الثقة بالأنظمة القائمة، تشير هذه المصادر إلى بروز نجم الجماعات الإرهابية المتطرفة، التي تتهم أصلاً الحكومات المحلية بالخيانة والإرتهان والفساد، وعدم القدرة على التصدي لمختلف أنواع المواجهات، وتطرح نفسها كبديل عنها لديه الرغبة بالإنتقام وإثبات النفس، وتعمد من خلال حملاتها الترويجية على تقديم الوعود بالإنتقال إلى الحياة الأفضل التي تضعها في سياق ديني، بهدف جذب المزيد من المؤيدين الذين يحلمون بالعودة إلى زمن الأمجاد العربية والإسلامية.

ومن خلال مراقبتها لخطاب تلك الجماعات في الأيام الأخيرة، تؤكد المصادر نفسها أنها ستسعى إلى إستغلال ما يعتبر هزيمة في الشارع "المُجيش" ضد طهران في سبيل تحقيق أهدافها، لا سيما أنها في مرحلة الصراع من أجل تثبيت "شرعيتها"، خصوصاً تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي بنى عقيدته، منذ أيام أبو مصعب الزرقاوي في العراق، على الصراع المذهبي، وأصبح يقدم نفسه كـ"دولة" لا كمجموعة أو كفصيل مسلح له أهداف محددة.

وفي حين تشير المصادر إلى أن "داعش" إستفاد في السابق من حالات الإحباط التي مر بها الشارع، على صعيد كسب المؤيدين المحليين والخارجيين، تحمل كافة القوى التي عملت على مذهبة الصراعات السياسية في المنطقة المسؤولية، لا الجمهورية الإسلامية التي حققت الإنتصار بفضل قوتها وصمودها، ولا تستغرب أن يكون التنظيم الإرهابي "قبلة" المحبطين في المرحلة المقبلة، لا سيما أن الدول المعنية لم تعتد وجود حياة سياسية طبيعية تسمح بوجود خيارات متعددة أمامهم.

في المحصلة، ربحت طهران الإعتراف الدولي بحقوقها النووية، وخسرت القوى الإقليمية المعارضة لها معركة مهمة، لكن نتائج عدم مبادرتها سريعاً على الصعيد الداخلي ستكون كارثية، خصوصاً أن شرعيتها هي المهددة، والتنظيمات المتطرفة مرشحة لتكون الرابح الأكبر، عبر تقديم نفسها كخيار بديل قادر على المواجهة.