لا يعيق الفراغ الرئاسي لناحية عدم وجود رئيس للبلاد في قصر بعبدا، قرار رئيس الحكومة تمام سلام بترجمة قراره بالاستقالة، ولا هو يتوقف امام آلية تنفيذ هذه الخطوة، اذا ما قرر اللجوء اليها احتجاجاً على عرقلة عمل الحكومة من قبل قوى وزارية مشاركة فيها، اذ للتعبير عن رفض الابتزاز والضغوطات من جانب هذه الجهات السياسية، والتي تعرقل عمل الحكومة خيارات عدة تشكل مرادفاً للاستقالة في ظل هكذا واقع من الفراغ الرئاسي، وهي تتوزع بين «الاعتكاف» وما شابه، مع وضع الكرة في مرمى الفريق المشاغب على ما تقول اوساط مطلعة على موقف سلام.

الا ان دفع رئيس الحكومة للانهزام امام القوى المشاغبة الواضحة الاداء ام «الخفية»، من خلال الاستقالة، لم يعد قريب المنال، لكون هذا القرار اذا ما تحقق يتلاقى مع مساعي قوى 8 آذار، لادخال البلاد في نقاش حول نظام سياسي جديد على حساب اتفاق الطائف، ولذلك فان سلام قادر على ضبط القوى المشاغبة دون ان يشكل رفضه لممارساتها اطاحة باتفاق الطائف الذي يرفضه كل من تكتل التغيير والاصلاح و«حزب الله» الذين يأملان بصيغة جديدة على وقع مؤتمر تأسيسي يأخذ بعين الواقع ضرورة تحصين الحضور في معادلة الدولة على وقع التوازنات التي ارخاها الاتفاق النووي الذي حول ايران الى قوة شرعية اقليمية.

وفي موازاة رمي سلام للكرة في ملعب النائب العماد ميشال عون لناحية التلميح باستقالته مع ما رتبت هذه الرسالة من حالة ضاغطة على الحياة السياسية اللبنانية نظراً لمضاعفاتها على اكثر من صعيد، شكل الاتصال الهاتفي المطول بين الرئيس سلام وبين رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري يوم السبت الماضي حسب المعلومات تحولاً في قرار الاستقالة تقول الاوساط، لدى رئيس الحكومة «الممتعض» مما يواجه من مطبات من الحلفاء والمعارضين، لا بل ان النقاش الهاتفي حول تداعيات الاستقالة على الواقع اللبناني ونظامه السياسي، في موازاة تحفيز الحريري لفريقه السياسي - الوزاري بالاستنفار لصالح دعم سلام في مهمته الوطنية وتحوله «ضمانة» الحفاظ على الاستقرار السياسي - الامني - الاقتصادي، قد يسرع في ايجاد حلول اولوية لملفات متفجرة بينها ازمة النفايات التي باتت كل قوى معنية بها من اي زاوية كانت تبدي اولوية الحصول وتأمين «المصاري» والاموال قبيل ايجاد حلول لازمة المطامر وامكنتها على ما هو الكلام في اوساط بيروتية مؤيدة لرئيس الحكومة الذي هو خارج هذا التجاذب التجاري على حساب الحكومة والمواطن.

لكن الى جانب ازمة النفايات التي سلكت طريقاً بطيئاً للمعالجة بعد اتصالات اجراها سلام مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وكذلك اتصالات مكثفة بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق ووزير البيئة محمد المشنوق، لجهة حماية عملية تنقل الشاحنات.

فان رئيس الحكومة جد ممتعض تضيف الاوساط، من ممارسة وزراء المعارضة الترف السياسي في النقاشات حول مواضيع خاصة وسياسية حصرية لهذا الفريق على حساب مناقشة مراسيم اخرى منها على سبيل المثال ما له صلة بضرورة بته لصالح موظفين تقاعدوا مؤخراً وهم في امس الحاجة الى اموالهم التي لم تصرف لهم نتيجة المناقشات المطولة.. عدا ان ازمة صرف الرواتب نهاية الشهر الحالي، ليست متوفرة، وان كان ثمة رهان على ان وزير المالية علي حسن خليل لن يقبل ان يتكبد الموظفون نتيجة هذه الخلافات وسيوفر مخرجا من اجل تجاوز اهداف المعرقلين داخل الحكومة، ثم ان الخلافات الناتجة عن اداء المعارضين كبدت لبنان حتى حينه خسارته نحو 25% من قيمة المبالغ والهبات الدولية التي تتطلب موافقة من الجانب اللبناني، اثر انقضاء المهلة التي كان مفترض ان يتم خلالها التسريع او موافقة الحكومة.

ولذلك فأن استراتيجية التعطيل التي يرفضها رئيس الحكومة والتي تأتي على حساب عمل مجلس الوزراء فيما خص البت في ملفات حياتية ومعيشية للمواطنين، تتلازم بالنسبة اليه وبحسب الاوساط، مع السجال الدائر حول آلية استعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، ولذلك فان رئيس الحكومة الذي يرفض تعطيل الدور التنفيذي لموقعه، ينظر الى هذا الموضوع من باب مقاربة النقاش حول الالية انطلاقا من السعي لتسهيل «شؤون الناس» وعدم اعتماد اجتهادات او «سابقة» في هذا المضمار...وهو الامر الذي لن يفرط به رغم كل الضغوطات والمزايدات على غرار تلك التي استحدثها الوزير جبران باسيل وحتمت على وزير البيئة محمد المشنوق حسب اوساط وزارية للانتقال من مقعده للتوجه نحو باسيل للاصطدام معه لولا استدراك سلام للامر واصراره على «وزيره» للعودة الى مكانه. اذ ان هذا المناخ من الجدية والتوتر الذي يفرض هكذا ردات فعل وعرقلة للحكومة لن يقبل به سلام وستكون جلسة الحكومة يوم غد الثلثاء محكا له.

ثم ان مطالبته تحالف تكتل التغيير - حزب الله الذي يشكل 6 وزراء من اصل 24 وزيرا، لا يعني ان الوزراء 18 عليهم ان يخضعوا لمنطق القوة او «الفجور» على ما هو الكلام في محيط رئيس الحكومة، اذ ان ثمة قاعدة لعمل مجلس الوزراء ومنطق ديموقراطي يأخذ في محطات حساسة طابع التوافقي. لكن ان تصبح الاقلية هي مالكة القرار فهو الامر الذي لن يسلم به سلام. خصوصا ان حسابات خاصة لها صلة باداء وزراء المعارضة... مقللا في الوقت ذاته من تداعيات ملف التعيينات الامنية ولا سيما التعيين المنفرد الاقرب.

ولا تعتبر اوساط محيطة بالعماد عون، ان المسؤولية تقع عليها، بل ان ما يحصل هو من نتاج تصرفات و«فوقية» تيار المستقبل والتي سلام براء منها، وان الحل هو من خلال اخذ دعوة امين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله بعين الواقع لناحية دعوته تيار المستقبل للتحاور مع العماد عون والاستماع الى مطالبه السياسية لكون ذلك يشكل مدخلا للهدوء وما عدا هذه المبادرة من جانب المستقبل. فان لا حل مرتقباً للازمة الحكومية المرتقبة. ويدرج المحيطون بالعماد عون ممن هم على صلة بقيادات رفيعة في «تيار المستقبل» ازمة النفايات في خانة الصراع بين رئيس كتلة المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة الذي يدفع نحو اعادة تكليف شركة سوكلين بسعر يفوق ما كانت تحصل عليه وبين قيادات اخرى في تيار المستقبل بينها رئيس مجلس ادارة «بنك المتوسط» محمد الحريري الذي يدفع نحو تلزيم شركة يتم انشاؤها من اجل تجميع النفايات. ولذلك فان كل من رئيس الحكومة ووزير البيئة يتابع المحيطون بعون، هما ضحية حسابات قيادات المستقبل السياسية والبيئية، لكن تلويح سلام بالاستقالة لا يدفع بعون للتراجع عن حقوق المسيحيين، بل هو الى ذلك يعمد الى مواجهة اوسع شعبيا وسياسيا مما حصل امام السراي مؤخرا.

لكن ايضا...وفي المقابل يبدو ان سلام قرر المواجة وتقول المعلومات انه بعيد الاتصال بينه وبين الرئيس الحريري يوم السبت الماضي.. عزف ليلا عن السفر الى جنيف لزيارة والدته بعد ان تبين له ان استقالته ستفهم تراجعا امام معارضيه وتنازلا عن مسؤوليته الوطنية... فقرر عدم السفر منعا للاجتهادات، في ابعاد زيارته العائلية.. على ان يكون جاهزا.. ايضا للمواجهة الدستورية القانونية في جلسة الحكومة... يوم غد