لا تختلف أحوال المسلمين والمسيحيين في فلسطين عن بعضهم البعض، فهم يعيشون نفس ظروف الاحتلال والحصار والانقسام في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، ويعيشون تحت وطأة احتلال إسرائيلي لا يفرق بين أطيافهم ودياناتهم بل يجمعهم مصير وطني مشترك، على أساس علاقة تكاملية تمتاز بالمحبة والود والاحترام رغم اختلاف الديانات.

صور كثيرة رسمت روح المحبة والتسامح بين المسلمين والمسيحيين الذين هم جزء أصيل من نسيج المجتمع الفلسطيني في الأرض المقدسة ومهد الديانات السماوية الثلاث وساهموا بفاعلية تكاملية بين أبناء الشعب الواحد في مختلف مراحل النضال الوطني الفلسطيني، جعلت من العلاقة التاريخية نموذجاً وطنياً لتجاوز فكرة التعايش فحسب وتجلّت في أبهى صورها.

وينقسم المسيحيون الفلسطينيون إلى أربع طوائف أساسية: الكنيسة الأرثوذكسية الخلقيدونية، الكنيسة الأرثوذكسية غير الخلقيدونية، الكنيسة الكاثوليكية (اللاتينية والشرقية) والكنيسة البروتستانتية، يتوزعون على مناطق جغرافية مختلفة، في الأراضي المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.

ويعيش في القطاع ما يقارب 1500 مسيحي من أصل 3500، حيث أجبرت الظروف الصعبة المئات على الهجرة إلى دول مختلفة، وهم يعملون في قطاعات متعددة كالتجارة والعقارات والمصانع والمهن المختلفة، ينتمون إلى أربعة طوائف دينية هي: الأرثوذكس (الغالبية العظمى في غزة) والكاثوليك والمعمدانيون، والانجيليون.

الظروف ذاتها..

ويقول الفلسطيني سامر ترزي، وهو من سكان غزة، أن الفلسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم يعيشون نفس الظروف والمعاناة، جنباً إلى جنب في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس، و"نتعامل سوياً بمبدأ الاحترام والمحبة في ظل وطن واحد وشعب واحد ومعاناة واحدة".

وترزي واحد من بين عشرات المسيحيين الذين شاركوا في شهر رمضان بمبادرة "تمر ومي" والتي تهدف إلى إفطار الصائمين الذين تأخروا وهم على الطرقات، نفذها مجموعة من الشبان المسيحيين من مؤسسة "بلست" الوطنية للدراسات والنشر، وشبكة الأرض المقدسة للإعلام في قطاع غزة للعام الثالث على التوالي، وبجهد خاص وتمويل ذاتي.

ويعبّر ترزي، في حديث لـ"النشرة"، عن سعادته في المشاركة بهذه المبادرة التي يقول إنها تؤكد على مبدأ المحبة والتآخي بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحدة، من دون النظر إلى العقيدة أو الديانة.

ويتابع: "هذا النشاط الذي نفذناه في رمضان يدل على أصالة ووحدوية الشعب وجذوره الوطنية الإسلامية و​المسيحية​، كنموذج للتعايش والعطاء".

روح للتآخي..

وفي سياق متصل، يبرز وجه آخر لروح التعايش والمحبة بين المسلمين والمسيحيين خصوصاً في مدينة السلام بيت لحم مهد السيّد المسيح، إذ شارك مجموعة من الشبان المسيحي ومن بينهم رئيس أساقفة الروم سبسطية للروم الأرثوذوكس عطالله حنا، والأب لؤي بشارات مساعد راعي طائفة اللاتين في بيت لحم، وأربعة مجموعات كشفية في المدينة في فرش مسجد عمر بن الخطاب بالسجاد، وهو المسجد الرئيس في بيت لحم ويقع قبالة كنيسة المهد.

ويقول قائد مجموعة كشافة ومرشدات دو لاسال في بيت لحم جوني أبو عيّاش، إنّ مشاركتهم في فرش المسجد بالسجاد الجديد وإزالة القديم جاءت بدعوة من محافظة المدينة في خطوة تؤكد على روح التآخي والمحبة وعدم التفريق بين المسيحي والمسلم.

وفي حديث مع "النشرة"، أوضح أبو عيّاش أن قرابة الـ30 شاباً من أربعة مجموعات كشفية "دو لاسال، السالزيان، المعمدانية والنادي السرياني"، شاركوا في هذا النشاط.

ولفت أبو عيّاش أن التعايش والتأخي الإسلامي المسيحي هو عنوان بالنسبة لهم كشبان مسيحيين في مجموعات كشفية مسيحية، مشيراً إلى أن المتطوعين عملوا بجد متميز "وكان العمل جميلاً بالنسبة لنا ورسم الحماس والعطاء على وجوه المشاركين".

تجاوزت حد التعايش

وبالنسبة لقائد مجموعة كشافة ومرشدات دلاسال في بيت لحم، فهذه ليست المشاركة الأولى في هكذا نشاطات مع المسلمين، فقد شاركوا ضمن مجموعات كبيرة في تجهيز وإعداد وجبات إفطار الصائم بجمعية أمان وتكيّة مريم لمساعدة الفقراء والمحتاجين في المدينة.

ويتابع أبو عيّاش: "قمنا بتغليف وتعبئة 1000 وجبة إفطار صائم بشكل شبه يومي على مدار شهر رمضان المبارك، ضمن جمعية أمان في مدن الخليل ونابلس وبيت لحم".

وعن علاقة المسلمين بالمسيحيين يرى أبو عيّاش أن العلاقة تجاوزت حد التعايش، "وأصبحنا أخوة نقدم العون والمساعدة لبعضنا البعض في كل الأوقات وأحلك الظروف" بغض النظر عن العقدية.

ويشدّد أبو عياش على "إننا نعيش في روح التآخي الإسلامي المسيحي منذ عقود، نحن أخوة نعيش سوياً ونساعد بعضنا البعض في كل الأمور".

واللافت أنّ هذا النشاط يأتي استكمالا لعدة أنشطة كانت قد أقيمت بالتعاون ما بين محافظة بيت لحم والمجموعات الكشفية في المدينة.

مشاركة للفرح..

وتمتاز علاقة الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين بالقوة والمحبة في الأرض المقدسة، تعكس نموذجاً فاعلاً لروح التآخي والتعايش، في وقت تتحول أعياد الميلاد والفصح إلى أعياد وطنية بالنسبة لهم بسبب المشاركة الواسعة من قبل أبناء الشعب الفلسطيني الواحد.

عن هذا، تقول الشابة نسمة حمدان التي تعتنق الديانة الإسلامية، إنها تشارك صديقاتها الفرحة في احتفالهم بأعياد الميلاد المجيدة في كنيسة القديس بروفيرويس للروم الأرثوذوكس وسط مدينة غزة، مشيرة إلى أنّ ذلك يعد نموذجاً فلسطينياً وطنياً يؤكد على عمق العلاقة بين أبناء الشعب الواحد.

وأوضحت حمدان، أنهم يتشاركون في مختلف المناسبات "ولا نشعر بفرق بالمطلق بيننا، وهذا ما يميز علاقتنا وسط ظروف نعيشها معاً كالحصار والعدوان والأزمات التي تعاني منها غزة وغيرها".

وتضيف: "هذا نموذج لعلاقة شعب فلسطيني واحد، علينا أن نحافظ على متانتها إذ أننا في الهم والفرح سواء في ظل احتلال إسرائيلي بغيض".

عاداتنا متقاربة..

أما بالنسبة للشابة لورا طنّوس وهي من الطائفة المارونية المسيحية، فالكل مؤمن بدينه ومعتقداته، وهناك الكثير من العادات والتقاليد متقاربة بين المسحيين والمسلمين في مدينة حيفا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتشعر أن لا فرق بينهم، في ظل وجودهم المحدود بين اليهود في ذات المدينة.

وطنّوس، تشارك صديقاتها الزيارات المختلفة رغم اختلاف الديانات، وتعمل على مساعدة زميلاتها في الجامعة، وتحرص على مشاركتهم مختلف المناسبات.

وتقول لـ"النشرة": "في حيفا والجليل ومختلف مدن وبلدات الشمال حياتنا وعاداتنا متقاربة لأننا شعب واحد، والكل مؤمن بمعتقداته، مثلاً أنا دائماً أشارك أصدقائي وصديقاتي الكثير من المناسبات، حتى أنهم يشاركوننا في تجهيز زينة أعياد الميلاد والمهرجانات".

لمزيد من صور المباردات والمشاركات الإسلامية المسيحية اضغطهنا