رأى السفير التركي في بيروت ​إينان أوزيلديز​ في حديث لصحيفة "الحياة" أن "الأزمة التي يقع فيها لبنان لها أبعاد إقليمية طبعاً، لكن نعتقد أن القادة اللبنانيين قادرون على مقاربة هذه الأزمة الدستورية من دون اللجوء إلى الأزمات الأخرى. إنها أزمة لبنانية في نهاية المطاف، وتتعلق بالفرقاء اللبنانيين"، متمنيا أن "يجد لبنان مخرجاً لهذا المأزق المتصل بالشغور الرئاسي. لكنّ أي تقارب إقليمي بين اللاعبين الأساسيين له أثر إيجابي في ما يحصل في لبنان، من أجل إراحة الوضع. ونأمل في أن يكون لهذا الاتفاق والتقارب في المنطقة انعكاس إيجابي على لبنان".

وعما إذا كان إنهاء الشغور الرئاسي مرتبطاً بالأزمة السورية، شدد على أنه "يجب ألا ننسى أن لبنان نجح في وضع مسافة والنأي بالنفس عن الأزمة السورية. وهذا كان مرضياً. النظام السياسي اللبناني عرف كيف يبتعد من الأزمة السورية"، مشيرا الى أنه "كان يمكن من دون مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية، أن نتصور مناخاً مختلفاً في لبنان، لكن على رغم ذلك فإن اللبنانيين في رأينا قادرون على إيجاد حل لمشكلة المؤسسات والدستور في لبنان. طبعاً لو لم تكن الأزمة السورية موجودة لما شهدنا بعض المشاكل في لبنان، لكني أشدد على نجاح السياسة اللبنانية، نسبياً، في البقاء على مسافة من الأزمة السورية، على رغم الحمل الكبير، بسبب وجود 1.7 مليون نازح في بلد صغير، ما حفظ الأمن والاستقرار في لبنان".

وعن التوقعات حول قيام منطقة آمنة أو حظر طيران شمال سوريا انطلاقاً من حدودها مع تركيا بموافقة الولايات المتحدة الأميركية، قال أوزيلديز إن "تركيا اقترحت منذ بداية الأزمة السورية قيام مناطق آمنة لسببين، أولاً من أجل إنشاء منطقة لا يمكن الإرهابيين دخولها والاحتفاظ بوجود فيها، وثانياً لضمان أن يتمكن السكان من العيش فيها بأمان بعيداً من هجمات المنظمات الإرهابية وقوات النظام"، موضحا أنه "في هذه الحال،يمكن أن نعمل على عودة جزء من النازحين السوريين الموجودين في تركيا. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، فإن تركيا باشرت تقوية إجراءات الأمن على الحدود مع سوريا التي يبلغ طولها 910 كلم، وتنظيم عمليات عسكرية ضد مواقع "داعش" في سوريا وحزب العمال الكردستاني في العراق. إن الاتفاق الأخير بين تركيا والولايات المتحدة سيسمح بضمان تنسيق أفضل من أجل إنشاء منطقة آمنة".

وأكد أنه "لا نقبل القول إن تركيا غيّرت سياستها حيال "داعش". تركيا تقاتل ضد "داعش" منذ البداية، وحتى حين لم تكن الدول الأخرى مدركة أخطار وجوده، أدركنا نحن هذه الأخطار وأعلنت تركيا "داعش" منظمة إرهابية رسمياً. ولا تنسوا أن تركيا كانت هدفاً منذ مدة".

وعن اتهامين وجّها إلى تركيا قبل أيام بأن أنقرة تستخدم "داعش"، من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ومن رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي صالح مسلم، شدد أوزلديز على "أننا لا نقبل هذه الاتهامات المبالغ فيها، يجب النظر الى الخطر الذي تواجهه تركيا، ويجب الفصل بين ملفي "داعش"، الذي هو نسبياً حديث، ومواجهة تركيا إرهاب حزب العمال الكردستاني "PKK" منذ أكثر من 30 سنة، وهو إرهاب خطير يهدد تركيا بلا توقف"، مؤكدا أن "الاتهامات بأن تركيا تستخدم "داعش" ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني غير صحيحة، وسبق أن لفتنا نظر المجتمع الدولي وحلفائنا الى أن في شمال سوريا أخطاراً عدة، داعش" أحدها، والثاني هو تقوية وجود حزب العمال الكردستاني".

ورأى أن "غياب السلطة في شمال سوريا هو السبب الرئيس لخطر "داعش"، بمعنى أنه لإزالة تهديد "داعش" يجب الذهاب الى جوهر المشكلة، أي الوضع في سوريا، ومن دون مقاربة الملف الأساس، أي مصير النظام في سوريا، لا يمكن القيام بحملة فعالة ضد "داعش". هذه وجهة النظر التي كانت تركيا تشدد عليها منذ مدة مع حلفائها وشركائها"، مشيرا الى أن "تفهماً وتحليلاً مشتركاً في هذا الخصوص مع الولايات المتحدة، وبداية هذا العام كنا باشرنا برنامج تدريب وتجهيز لإنشاء قوة موثوق بها في سوريا. أعتقد أن قراءتنا تتطابق في هذا الصدد. الأميركيون يدركون جيداً أنه مع هذا النظام لا تمكننا معالجة كل المشاكل في سوريا".

وعن فشل المفاوضات لحل سلمي مع حزب العمال الكردستاني، لفت أوزيلديزالى أنه "كانت هناك عملية للوصول إلى حل، بدأت عام 2005 عبر حوار مع ممثلي الأكراد في سوريا، وهو مستمر، والحكومة كانت تتحدث الى ممثلي الأكراد في البرلمان، لكن كانت هناك موجبات من الجهتين لتحقيقها، منها وقف النار وتسليم الأسلحة وسحب قوات الـ"PKK" من الأراضي التركية. للأسف، شاهدنا تصاعد نشاط الـ"PKK" الإرهابي في تركيا، لا سيما بعد انتخابات 7 حزيران"، معتبرا أن "الاتفاق النووي هو خطوة الى الأمام وأمراً إيجابياً، وككل اتفاق فإن انعكاساته تتوقف على تطبيقه. إذا جرى التطبيق في شكل جيد فنحن متأكدون من أنه سيكون له تأثيرات إيجابية في كل المنطقة وفي العلاقات التركية - الإيرانية".

وعن الخلاف بين إيران وتركيا حول الملف السوري، قال: "هذا ملف آخر، لكننا على تواصل مع إيران حول الأزمة السورية. نتقاسم قلقنا مع الإيرانيين. وهم مدركون للأخطار في سوريا. لكن الاتفاق النووي له أبعاد أخرى، لأنه اعتراف بحق إيران باكتساب قدرات نووية سلمية، ولأنه يرفع العقوبات عليها، ما سيكون له أثر إيجابي في العلاقات التجارية والاقتصادية التركية الإيرانية، وإيران ستكون منخرطة في شكل أفضل في المنطقة والمجتمع الدولي".