ما هي الخطوة المقبلة التي ستُقدم عليها المملكة الأردنية وغيرها من الأنظمة العربية السائرة في طريق تنمية علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وبنقل هذه العلاقات من الجانب السري القديم، إلى ساحة الضوء المستحدَث؟
سؤال فرض نفسه بشدة على كل من تعنيه فلسطين وشعبها، بعد أن تلقّى العرب؛ أنظمة وشعوباً، بصمت يشبه صمت القبور، خبر تقديم "إسرائيل" مساعدة عسكرية للأردن هي 16 طائرة قتالية من نوع "كوبرا"، من أجل ما سّمته "مساعدتها في التصدي لتهديدات المسلحين على الحدود مع سورية والعراق".
وسائل الإعلام نقلت عن مسؤول أميركي مطّلع على الصفقة قوله: واشنطن وافقت على عملية تسليم "إسرائيل" للأردن طائرات "كوبرا" كانت واشنطن سلّمتها لـ"إسرائيل" في وقت سابق، واستغنت "إسرائيل" عن استخدامها.
الآن، وبعد أن فتحت "المعارضة السورية" المسلحة باب الاستعانة بالسلاح "الإسرائيلي"، والاستشفاء في مشافيه، ها هو الأردن يفتح هذا الباب على مصراعيه أمام أنظمة عربية طالما كانت تابعة للسياسات الأميركية.
القضية الآن أصبحت أنّ العدو بات علناً هو من يسلّح بعض العرب، ليتحاربوا، وهذا البعض يرتضي لنفسه حمل السلاح "الإسرائيلي"، الذي لطالما قتله ومزّق لحمه، وأنه يرتضي تسلّم سلاح "إسرائيلي" درجة ثانية، واستغنت عنه "إسرائيل"، وبات قديماً بالنسبة إليها، وبالتالي فإن أي أمل أو رغبة، او حتى حاجة، للاشتباك مع "إسرائيل" لم يعد وارداً ولا ممكناً بين "هؤلاء العرب" وعدونا التاريخي، والأخطر من كل ذلك أن الأميركي الذي أعلن أكثر من مرة أنه يريد مغادرة منطقتنا، والتركيز على حماية مصالحه في الشرق الأقصى، كشف في هذه العملية أنه سلّم قيادة أتباعه مع الحكام العرب إلى "إسرائيل"؛ تسلّحهم وتحميهم وتقاتل بهم كل من يعاديها من العرب وأهل الجوار.
والبارز في هذه الخطوة، أن الدور الأردني، منذ أن أنشئت المملكة، هو دور ملتبس في علاقته بالكيان الصهيوني، وفي المهمة التي يؤديها خدمة لهذا الكيان، خصوصاً في فتحه أبواب تعامل معه لا يجرؤ الآخرون على ريادتها، وينتظرون محللاً يسبقه في سلوكها؛ هكذا كان دور المؤسّس عبدالله الاول، الذي ضلل والده الشريف حسين، ونفى له صحة وجود "وعد بلفور"، وبعده الملك حسين، الذي كشف "الإسرائيليون" أن وقوفه إلى جانب جمال عبد الناصر في حرب حزيران 1967 إنما كان خدعة، وأنه قام عام 1973 بكشف سر التحضير لحرب العبور، لغولدا مائير؛ رئيسة وزراء العدو في ذلك الوقت، وها هو عبدالله الثاني يفتتح أمام العرب طريق الاستعانة بخردة السلاح "الإسرائيلي"، لقتال متطرفين مشبوهين، طالما تحالفت معهم هذه الأنظمة وغذّتهم للتضييق على معارضيها السياسيين.
لم يكن متوقعاً أن يصل الانحدار العربي إلى هذا الدرك من الغوص في وحول التفريط بالشعارات والخطوط الحمر، التي سبق للنظام الرسمي العربي نفسه أن رفعها في الصراع الدائر مع العدو الصهيوني. هذا الانحدار الذي بدأ علنياً منذ أن وضع أنور السادات 99 في المئة من أوراق أزمة المنطقة بأيدي أميركا، بعدها تتالت "مبادرات السلام" السعودية التي تمحورت على الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإعطائه كل مايريد وفق الصيغة التي يريدها "السلام مقابل السلام"، مما أوجد حالة من التسابق الرسمي العربي على إرضاء الاميركي، وبالتالي "الإسرائيلي". وعلى وقع هواجس خوف الأنظمة المتبادَل، سارع الأردن، الذي يحكمه عداء قديم مع المملكة السعودية، إلى عقد اتفاقية وادي عربة، مقلداً اتفاقيتي "كامب ديفيد" و"أوسلو"، وسارعت قطر، التي تحكمها ذات الهواجس تجاه أطماع السعودية بها، إلى فتح سفارة "إسرائيلية" في الدوحة، والآن، وبعد الخطوة الأردنية، سيصبح العدو الصهيوني "حاكم صلح" بين عربان هذا الزمان، يحدد لهم ما يفيدهم وما يضر بهم، والأخطر أنه سيحدد لهم من هو صديقهم ومن هو عدوهم.