يمر الواقع السياسي اللبناني بلحظات حرجة، فالملفات معقّدة ومعلَّقة، والقضايا مستعصية، ولكي تتضح معالم الخروج من الأزمات الداخلية، ومن بينها انتخاب رئيس للجمهورية، وتفعيل دور المؤسسات التشريعية والتنفيذية، لابد من صحوة وطنية تقدم المصلحة الوطنية العامة على المصالح الشخصية، والخروج من الدائرة التي وضعنا بها المستعمر الفرنسي منذ عشرينيات القرن الماضي؛ ببناء نظام سياسي هزيل لا جاذبية في تكوينته السياسية، فابتداع صيغ العيش المشترك في ظل نظام سياسي هرم لا يستجمع مقومات التماسك الوطني، سيُبقي لبنان عرضة للاشتباك السياسي والأمني انطلاقاً من صغرى المشكلات حتى أكبرها، كأزمة الكهرباء، والمياه، والتلوّث، والبطالة، وأحزمة الفقر، وحتى أزمة النفايات، وملف العسكريين اللبنانيين المختطَفين، وعدم احترام حاجات المواطن اللبناني، وهي أمور لا تنعكس على صورة لبنان وحسب، إنما تؤثّر على صحة المواطن وقدرته على الإنتاج والعيش في هذه الظروف الصعبة الناتجة عن أزمة سياسية لا يجد المسؤول إلا المواطن لتحميله مسؤولية كل تلك الأزمات.

فالشلل الذي يترك اليوم آثاراً سلبية على الأوضاع العامة في البلاد، يصيب كافة السلطات في لبنان، مترافقاً مع حالة من الاحتقان بدت معالمها واضحة في مؤسسات الدولة، الأمر الذي يُنذر بعواقب على كل المستويات، تدفع بالبلاد نحو انزلاق خطير في متاهات الانقسام على حساب الوطن والمواطن، وصحته وأمنه ومستقبله.

ما يعيشه لبنان اليوم ما هو الا نتاج أزمة نظام سياسي، وليس نتاج نزاع بين فرقاء سياسيين، فأصبحنا بحاجة إلى حوار وطني جامع يشارك فيه الجميع، ويغلِّب المصلحة الوطنية على كل مصلحة، لأن لبنان بحاجة إلى جميع أبنائه لينهض من جديد.

وللخروج من الأزمات المتلاحقة المستمرة، والتي تتوالى أزمة وراء أخرى، علينا بداية أن نلتقط المدخل الحقيقي للإصلاح السياسي في لبنان، والذي يتمثل بإصلاح النظام الانتخابي، وهو القانون الذي يعطي قاعدة لإصلاح شامل ونهوض وطني يحكم كل مسارات العمل الوطني، لأن اختيار الممثلين الحقيقيين للشعب هو البداية الأولى لإصلاح سياسي شامل، فالسلطة التشريعية المولجة بأمر التشريع ورقابة السلطة التنفيذية هي المعنية بضبط مسارات المؤسسات الأخرى، لأن الشعب هو مصدر كل السلطات ورقيبها، فإذا كان اختيار الممثلين غير صحيح، فإن الفساد وسوء الإدارة سيجدان متكأً في تغييب الإرادة الشعبية عن كل محاسبة أو تقصير، وهذا يتطلب اعتماد قانون انتخابي وطني يجعل من لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية، ليكون التنافس بين اللبنانيين على البرامج الوطنية وليس على المصالح والاعتبارات الشخصية المغلفة بألوان طائفية ومذهبية، ومن ثم العمل على إصلاح الإدارات المعنية بالملفات المعيشية والحياتية للمواطن، والعمل على محاربة الفساد، ومحاسبة المفسدين.

فمن يقف بوجه إقرار قانون انتخابي عصري وحديث، هو من يغطّي الفساد والمفسدين، ويجعل من لبنان مزرعة تزيد من ثرائه، على حساب الوطن وقضايانا المصيرية.

* نائب رئيس حزب الاتحاد