منذ بداية الأحداث السورية، كانت عمليات الإغتيال هي السلاح الأقوى المستخدم من قبل القوى الكبرى لتبديل موازين القوى ومن هذا المنطلق كانت أغلب الشخصيات محلّ استهداف في أي لحظة، ولأن هذا النوع من الأعمال الأمنية يستخدم دائماً في اللحظات السياسية الحاسمة، من المتوقع أن يتم اللجوء إليه بشكل مكثّف في الفترة المقبلة، لا سيما إذا ما كانت الأوضاح ستجنح نحو مسار التسويات، في ظل الضغوط التي تمارس على أعلى المستويات إقليمياً دولياً.

هذه الإغتيالات لم تحصل ضمن ضفة واحدة، بل شملت شخصيات من أركان الدولة وأخرى من الجماعات المناهضة لها، ضمن أهداف متعددة لا يمكن حصرها، خصوصاً أن حالة الحرب التي تعيشها سوريا تمنع فتح تحقيقات توصل إلى نتائج واضحة، بالإضافة إلى أن الصراع أخذ أكثر من منحى، لا سيما في صفوف قوى المعارضة المسلحة.

من هذا المنطلق، تشير مصادر مطلعة إلى أن عملية الإغتيال الأبرز حتى الآن، هي تلك التي إستهدفت القادة الأمنيين خلال إجتماع لخلية الأزمة في مبنى الأمن القومي، في العام 2012(1). وفي حين سارعت جبهة "النصرة" الإرهابية، في ذلك الوقت، إلى تبني العملية، توضح المصادر أن المعلومات التي تم تسريبها لاحقاً كشفت أن هناك أجهزة مخابرات دولية كان لها دور أساسي فيها، لا سيما أن الهدف منها كان الإنقضاض على العاصمة دمشق، بسبب الرهان على إنهيار المعنويات سريعاً.

في الجانب الآخر، تلفت المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن اغتيالا لا يقّل أهميّة عمّا يحصل على الساحة السورية ذلك الذي إستهدف قادة الصف الأول في حركة "​أحرار الشام​"، من خلال تفجير، لم تتضح معالمه حتى الآن بشكل رسمي، إستهدف إجتماعا لهم في شهر أيلول من العام 2014، وتذكر بأن الإتهامات وجهت سريعاً إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، بسبب الحملة التي كان يقوم بها على باقي فصائل المعارضة بعد إعلانه "الخلافة" في المناطق التي يتشاركون النفوذ بها، لا سيما محافظتي إدلب وحلب.

وفي حين لم تتوقف هذه العمليات بأي مرحلة من مراحل الحرب السورية، تعتبر المصادر نفسها أنها شهدت إرتفاعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، مرتبط إلى حد بعيد بالتطورات السياسية المتسارعة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث بات من المطلوب كما هو معلوم تهيئة الأرضية لفرض حلٍّ على مختلف الأفرقاء، نظراً إلى أن تداعيات هذه الأزمة باتت تهدد الكثير من البلدان، وتشير في هذا السياق إلى الإتصالات القائمة بين جهات متعددة، ساهم توقيع الإتفاق النووي، بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول الكبرى، في إعادة التواصل في ما بينها.

في هذا السياق، توضح المصادر المطلعة أن خلال الأشهر القليلة الماضية تعرض أكثر من ضابط سوري رفيع المستوى إلى عملية أو محاولة إغتيال، أبرزهم مدير هيئة الإمداد والتموين في الجيش اللواء محمد عيد، والعميد في هيئة أركان الجيش علي درويش، في مقابل عدة محاولات إغتيال تعرض لها قادة ميدانيون في الجماعات المعارضة، المعتدلة والمتطرفة، خصوصاً في محافظتي حلب وإدلب، إلا أن الأخطر هو ما حصل في الأيام الأخيرة، لا سيما بعد اغتيال تنظيم "داعش" المسؤول الأمني في "​جبهة النصرة​"، أحمد محمد الفالوجي، أثناء تلقيه العلاج في أحد مستشفيات درعا الميدانية، بالإضافة إلى ليث وحيد بحبوح الملقب بـ"قناص الجبهة"، وكل من المسؤول الميداني في "لواء المدينة"، أحمد الشحادة، والمسؤول في "لواء السبطين" إسماعيل حليحل، في عمليتين منفصلتين في مدينة درعا.

في الإطار نفسه، تعرض قائد "لواء أسود الشام" مفلح الكناني لمحاولة إغتيال، في حين أصيب قائد "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" أبو مالك الشامي بعبوة ناسفة في حي القدم الدمشقي، ونجا قائد "لواء أهل السنة"، التابع لـ"حركة أحرار الشام"، حسام أبو بكر، من محاولة إغتيال في جرجناز في ريف إدلب، فيما قتل أحد مسؤولي "جبهة النصرة"، السعودي "أبو أنس"، بانفجار عبوة ناسفة بالقرب من مدينة حارم.

بالنسبة إلى المصادر المطلعة، تحمل عمليات الإغتيال هذه دلالات مهمة، على صعيد الصراع بين القوى الإقليمية والدولية المختلفة، خصوصاً تلك التي كانت داعمة لفصائل وكتائب المعارضة، لا سيما أن الأوضاع تقترب من عملية البحث عن الحلول السياسية، حيث سيكون المُتحكم على الأرض هو الجالس على طاولة المفاوضات، وبعض المعارك يكون حسمها عبر إغتيال قادة المجموعات التي هي بالمقلب الآخر، نظراً إلى صعوبة المواجهة العسكرية في بعض الأحيان.

بالإضافة إلى ذلك، عمليات الإغتيال في أحيان كثيرة هي عبارة عن صراع على النفوذ بين المجموعات المتواجدة في نطاق جغرافي واحد، في سبيل السيطرة على المكاسب التي تتمتع بها المنطقة، لا سيما أن هناك أعمال سرقة وتهريب تحصل بصورة علنية.

من هذا المنطلق، تفضل المصادر المطلعة تصنيفها باطار 3 أنواع رئيسية، الأول يأتي ضمن الخطة الأكبر الهادفة إلى إضعاف ​الجيش السوري​ والشل من قدراته، في سياق زيادة الضغط على الدولة لتقديم التنازلات أو التأثير على العمليات العسكرية الكبرى، خصوصاً أنه كان يشكل عامل توازن مع الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي لا ينفصل عن إستهداف بعض الفصائل المعارضة المعدات العسكرية التي كانت تمثل تهديداً لتل أبيب.

النوع الثاني، يتعلق بالتخلص من بعض القادة الأمنيين في قوى المعارضة، سواء تلك التي تصنف من قبل القوى الغربية بالمعتدلة أو الإرهابية، بهدف أخذ هذا الفصيل إلى منحى جديد في التعاطي السياسي باتت تتطلبه المرحلة، وتقف خلفه قوى كبرى عبر أدواتها الداخلية، تماماً كما يحصل في العمليات التي تندرج في النوع الأول، ومن الممكن أن يؤدي الإغتيال إلى تبديل موقف الجهة المستهدفة السياسي أو القضاء عليها نهائياً، تمهيداً لإنخراط عناصرها في مجموعة أخرى، وهذا الأمر قد يكون الهدف منه إخفاء معلومات قد يشكل كشفها خطراً على بعض الجهات الداعمة.

النوع الثالث، يتعلق بالصراع على النفوذ والمصالح بين الفصائل المتحاربة، أي بالمكاسب المادية بشكل أساسي، وهو صراع يأخذ في الكثير من الأحيان المنحى الحزبي أو الشخصي، ولا يكون على مستوى كبير من الأهمية، كما في النوعين السابقين، حيث الأيادي المحترفة تكون حاضرة بقوة كبيرة، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون أكثر دماوية، ويندرج في سياق الصراع بين ما يعرف بالتنظيمات "الجهادية"، التي تبقى مجرد أدوات لمشاريع سياسية أكبر منها.

في المحصلة، تأتي عمليات الإغتيال الأمنية على الساحة السورية إلى جانب المواجهات العسكرية الكبرى، التي تحقق في أحيان كثيرة أهدافاً مهمة، وبالنظر إلى السياق الذي تجري فيه الأحداث فهي قد تتعاظم بشكل أوسع في المرحلة المقبلة.

(1)أدت إلى مقتل وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني وإصابة وزير الداخلية محمد الشعار.