عُقدت أولى جلسات الحوار بين قادة الكتل النيابية، في المجلس النيابي، ولوحظ أن الاجتماع التمهيدي استُبق بحملة شعواء لكتلة المستقبل النيابية قبل أقل من عشرين ساعة على التئام طاولة الحوار، بما يذكّر بما كان الرئيس نبيه بري قد حذّر منه قبل 72 ساعة من الموعد، حيث قال إن الحوار لا يبدأ بـ"صباح الخير يا أقرع".

كتلة "المستقبل" النيابية شنّت هجوماً عنيفاً عشية جلسات الحوار بلا أي مبرّر على حزب الله، مستعملة تعابير تصل إلى القدح والذم، كتعبير "مسيلمة"، واتهامات ساقتها في غير وقائعها، وفيها كمّ كبير من التحريض المذهبي الذي ينتظر رداً واسعاً، سواء من حزب الله أو التيار الوطني الحر، وهو الأمر الذي لم يحصل، ولم يشفِ غليل من صاغ "البيان الأزرق" الذي بدا واضحاً عليه طريقة ونهج وأسلوب الرئيس فؤاد السنيورة، الذي حضر على طاولة الحوار بصفته رئيساً لكتلة "المستقبل" النيابية، وهو ما يعيد الضوء إلى نص الدعوة التي كان قد وجّهها الرئيس نبيه بري من أجل الحوار المنشود، حيث أشار إلى "قادة الكتل" وليس "رؤساء الكتل"، وكأنه كان يستشرف بعض المواقف التي يمكنه في لحظة ما، وعلى طريقته وأسلوبه المميزين أن يضع حداً له، بصفته "غير ذي صفة".

المهم، الحوار أقلع، وإدارته تعرف كيف لا تجعله يتجه في اتجاهات متشعبة أو خاطئة، مع العلم أن مصادر واسعة الاطلاع كشفت أنه مع صدور "البيان الأزرق"، عرف راعي الحوار وأكثر من طرف، أن صاحب الصياغة والأسلوب التصعيدي يحاول أن يوتر الأجواء، "ليشوش" على الحوار الموعود، علماً أنه لم يتخلَّ عن هذا الأسلوب أيضاً في مسيرة الحوار القائمة بين حزب الله و"تيار المستقبل" في عين التينة.

الجلسة الأولى من الحوار رغم الأجواء التي أثيرت بالتزامن مع العاصفة الرملية التي تضرب لبنان، أرست جدول الأعمال الذي طرحه الرئيس بري، وأوجدت المناخات لاستكمال الحوار، بالرغم من ضجيج وصراخ التحركات الصاخبة التي كانت تجري على بعد أمتار من مبنى مجلس النواب، لما يسمى "المجتمع المدني" وفق المصطلح الأميركي، الذي يحاول أن يأخذ المجتمعات إلى فوضى متعددة الأشكال والوجوه، وكأنه في أي بلد يجري الحديث فيه عن مجتمع مدني وحقوق إنسان، عدة مجتمعات، وهو الأمر الذي لم يفهمه كثيرون ممن يتصدرون الحراك الشعبي، وإذا نجحوا في مهمتهم التي اعترف بها ديفيد هيل نفسه أمام الرئيس بري، سيكون وبالاً على البلد.

المهم أن الحوار بدأ، وقد لا يحسم أي تفصيل من جدول الأعمال، لكن سيُسهم في تبريد الأجواء المتشنجة، وقد يُسفر عن بعض الحلول الضرورية، كأزمة النفايات التي يضعها رئيس الحكومة تمام سلام كأولوية، لاسيما أن "لا ناقة ولا جمل" له في هذه القضية المعقّدة التي ورثها من الحكومات المتعاقبة، خصوصاً الحكومات التي كان فيها فؤاد السنيورة وزير دولة للشؤون المالية، ووزير مالية ورئيس حكومة.. حبذا لو يتذكر السنيورة محرقة برج حمود وتفاصيلها (1998 – 2000)، وكيف تغيرت الأحوال.. فسبحان مغيّر الأحوال.

انتهت الجلسة الحوارية الأولى على وقع التظاهرات التي أحاطت بالمجلس النيابي، ورفعت شعارات مختلفة لمواجهة الفساد..

لكن، أين الفاسدون؟ ومن هم؟ وكيف تراكم الدَّيْن العام وعجز الموازنة؟ فذلك لا جواب له، ولن يؤتى على ذكره في الحوار، وكل الأمل أن لا ينتهوا على طريقة مانشيت جريدة "المستقبل" صبيحة يوم الحوار، والذي جاء فيه "المستقبل تحيي الحراك المدني: لمحاسبة مالية منذ الطائف".

حبذا لو يحصل ذلك، فمن استفاد من اللعب بصرف الليرة، ومن سندات الخزينة ذات الفائدة العالية؟ وكيف جرت التلزيمات بالتراضي؟ وأين 4 مليارات ليرة هبات إبان حرب تموز؟ وكيف سُرقت بيروت لصالح شركة خاصة؟ ووو.. وماذا عن مصير الـ11 مليار دولار الضائعة من الموازنات منذ 2005؟