انقسمت أطياف المجتمع السوري بين مؤيّدٍ ومعارض، وهذا الانقسام جاء نتيجة دور الميديا والافتئات عبر وسائل اعلامية عربية وغربية وعوامل عدة كانت تخدم المؤامرة التي دُبّرت ورُسِمت ونُفّذت على سوريا، ناهيك عن الاموال التي دُفِعت لشراء الذمم والتقارير الكاذبة واستيراد المقاتلين لجنسيات مختلفة من 85 بلد في العالم.

دخلت ثقافات غريبة عن المجتمع السوري ومارست الارهاب وترجمت ارهابها باعمال اجرامية لا حدود لها ووحشية لا متناهية وادوات اعلامية متقنة وتفنن بفتاوى تبيح السبي والتهجير والذبح والقتل واعدام العشرات بل المئات والالوف من الابرياء بهدف ضرب البنية الاجتماعية في سوريا وتمزيقها وقطع كل اوصالها بالوطن والهوية، ما اسهم بافراغ مناطق باكملها من سكانها السوريين الاصليين.

المفارقة هي ان ما نشهده اليوم من عملية ممنهجة لهجرة العائلات السورية نحو بلاد اوروبا التي تآمرت على سوريا بهدف ضرب مكوّناتها المختلطة التي عاشت بامن وسلام حتى نهاية عام 2012، تلك البلدان الاوروبية هي نفسها التي تستقبل اللاجئين السوريين وتفتح لهم الحدود وتتقاسم اعداد اللاجئين، واللافت في الامر أنّ التقارير الواردة من اوروبا تشير الى ان معظم المهاجرين السوريين يعيشون حالة من الاذلال والقهر والبؤس والتشرد وحتى القمع في اوروبا من جراء عملية التقاذف التي تمارس بحقهم من بلد الى بلد اخر، حيث يفترشون الارض ويحاولون الانتحار بسبب ضياع عائلات عن بعضها باكملها وفقدان الاطفال والزوجات والاباء بسبب اغلاق الحدود ومنعهم من ركوب الحافلات والقطارات ومعاملتهم معاملة عنصرية لا تمت للانسانية بصلة.

ان الزخم الاعلامي المسلط على هجرة السوريين وعملية ايوائهم في بلاد اوروبا واستراليا هي عملية صهيونية بامتياز ذات ابعاد بنيوية بهدف ضرب البنية الاجتماعية لشعوبنا العربية وتفريغ مجتمعنا العربي من الفسيفساء والتنوع الذي طالما تغنينا وافتخرنا به، وبالتالي اسهاما باضعاف موقف سوريا وتظهير المشكلة وكأنّ هؤلاء تركوا سوريا هربًا من بطش النظام تمامًا كما تحاول بعض وسائل الاعلام العربية والاجنبية تسويق هذا المشهد متناسين بطش وارهاب واجرام "داعش" وداعميها بالتعمية عن الدور السيء لكل من تركيا وقطر والسعودية وأميركا و​فرنسا​.

واهم من يعتقد ان توجها لبعض دول الخليج التي تآمرت على سوريا باستضافة بعض النازحين يصب في مصلحة الشعب السوري وان دول الخليج تقدم خدمة مجانية لهذا الشعب.

واهم من يعتقد ان اوروبا هبطت عليها نعمة الحنان والانسانية ومبادئ الاسرة الدولية وشرعة حقوق الانسان لمجرد السماح للسوريين بدخول بعض البلدان الأوروبية.

واهم من يعتقد ان الزخم الاعلامي الذي رافق رحلة عذاب السوريين هو امر بريء ومحض انساني يخدم شعب سوريا العربي ويحميه.

متآمر ومشارك بتدمير بنية سوريا الاجتماعية والاقتصادية كل من يقوم بتسهيل هجرة السوريين وضرب الموارد البشرية لهذا البلد العربي.

واضح كل الوضوح ان في الامر سوءًا وانه مدبر ومدروس ومخطط له سلفا.

اتذكرون تصريح رئيس المنتدى الخليجي للامن والسلام الكويتي ​فهد الشليمي​ عندما وصف الشعب السوري بانه يعاني من ازمات نفسية ولا يمكن ادماجه في المجتمع الخليجي وان تكلفة المعيشه في دول الخليج غالية لا تصلح للشعب السوري وان تكلفة المعيشة في لبنان وتركيا اصلح وارخص للسوريين؟

اتذكرون تصريح ساره حشاش وهي مسؤولة في منظمة العفو الدولية عندما صرحت ان دول الخليج تصرفت تجاه النازحين السوريين بشكل شائن؟

اتذكرون بداية الازمة السورية عندما شرعت الحكومة التركية بنصب الخيم على الحدود المشتركة مع سوريا مع انه في ذاك الوقت لم يكن الشمال السوري قد دخل مرحلة الاضطرابات؟

لماذا ظل امر المخيمات في تركيا رهن السيطرة والطوق المحكم طيلة الازمة السورية وعلى مدى خمس سنوات متواصلة ومنعهم من مغادرة المخيم لاي جهة كانت؟

لماذا سمح اليوم لمافيا التهريب ومافيا المراكب غير الشرعية بنقل اللاجئين السوريين من المخيمات التركية وعبر الشواطئ التركية بالتحديد ليكونوا فريسة سهلة لاطماع المافيات ليقدموا الاطفال وعائلات باكملها قرابين للبحر فينتهي بهم الامر جثث منتفخة على شواطئ البحور؟

لقد وقف احمد داوود اوغلو ليقول حاولنا اقناع العالم بضرورة اقامة منطقة امنة في الشمال السوري ولم يوافقنا احد على هذا الرأي.

ان مثل هذا التصريح لمسؤول تركي رفيع المستوى ساهم بدعم الارهاب ونموه من خلال التسليح والتدريب وتهريب المسلحين الى داخل سوريا يعتبر ضالعا وبشكل مباشر بالمتاجرة بدماء السوريين وخراب سوريا، وهذا اكير دليل على أنّ مؤامرة تركيا باقامة منطقة عازلة تحت سيطرتها قد فشلت، ولمّا ادرك الاتراك فشل المهمة قاموا بفتح الابواب امام اللاجئين السوريين وسمح لتجار المافيا بالعمل على ارسال هذه الاعداد الغفيرة اما ليبتلعها البحر واما تنفيذا للخطة الصهيونية الأميركية وعقابا لاوروبا التي وعدت تركيا بمكافآت مالية لدعم ​حزب التنمية والعدالة​، لكن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة اثبتت عكس ذلك كما اثبتت تخلي أميركا واوروبا عن وعودهما بتحقيق حلم الرئيس التركي رجب اردوغان باقامة الامبراطورية العثمانية في منطقتنا العربية واعتبار أنّ مشروع اردوغان واوغلو قد سقط الى غير رجعة وان رصيد حزب رجب اردوغان بدأ بالنضوب تركيا واقليميا.

البعض يقول ويؤكد ان ما نشهده من زخم اعلامي لهجرة السوريين يدخل في اطار تسريع الحل في سوريا وان مشهد جثث الاطفال على الشواطئ التركية استنهض المجتمع الغربي ومنظمات حقوق الانسان لممارسة الضغط على الحكومات الغربية بضرورة وقف هذا النزف القادم الينا عبر تسريع الحل في سوريا.

اما البعض الاخر فيؤكد ان استقبال المهاجرين السوريين في اوروبا هو مؤشر خطير للدلالة او لاظهار ان لا حل قريب في سوريا وبناء عليه تم استقبال المهاجرين والبدء بتنظيم عملية ايوائهم بهدف تفريغ سوريا من الموارد البشرية وتفكيك المجتمع السوري وتشويه صورة وسمعة سوريا الدوله لاضعافها على مدى العقود القادمة.

في كلتا الحالتين فاننا نعتبر ان عملية افراغ سوريا من بعض السوريين هي عملية مقصودة وذات ابعاد خطيرة تهدف الى افراغ سوريا العربية من هويتها التكوينية البنيوية لان هذا التهجير الممنهج كان من الممكن اجتنابه عبر ايجاد حل سريع وناجع للأزمة السورية من خلال وقف دعم الارهابيين بالمال والسلاح والتدريب التي تقوم به دول عربية وغربية بالاضافة لأميركا وتحركيا وحتى إسرائيل.

ان الهدف الرئيس لعملية التهجير هو ضرب المورد البشري السوري وضرب وحدة سوريا واضعافها في اي حال من الاحوال، فاذا ما اقر الحل تكون سوريا ضعيفة في مكونها البشري لان الذي هجر منها سيندمج في مجتمعات غربية تتغنى بالحرية والديمقراطية والعولمة وحقوق الانسان، واذا استمرت الحرب في سوريا فان الغرب والعربان يكونون قد استفادوا اعلاميا من تهجير السوريين لاظهار ان السوري ترك ارضه ووطنه هربا من براميل النظام السوري الذي يقوم يقتل شعبه واظهار اوروبا بانها ضنينة على مصالح الشعب والسوري وحمايته.

يبقى سؤال المفارقة، اليس من المفارقة ان يقف الحبر الاعظم بابا الفاتيكان ويوصي باستقبال اللاجئين السوريين بينما لم يصدر عمّا يسمى العلماء المسلمين ايّ كلمه توصي بما اوصانا به ديننا الحنيف بمساعدة الانسان وايوائه واعطائه الامن والامان لاي دين انتمى؟

اليس من المفارقة ان تقف المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تذرف الدموع على مشهد اطفال سوريا ممددين على شواطئ تركيا جثثا هامدة بعد ان لفظها البحر وسيسألنا اجيالنا لماذا استقبلتم اللاجئين السوريين في بلاد الغرب ومكة المكرمة اقرب اليهم واولى بهم؟

اليس من المفارقة ان تهب المنظمات الاوروبية والدول الاوروبية لنجدة وايواء السوريين في الوقت التي تقف به المسماة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وهيئة العلماء المسلمين جميعم يقفون جثة هامدة امام هول ازمة المشردين السوريين؟

اين هي الدول التي اجتمعت وطبلت وعقدت المؤتمرات الصحافية تحت مسمى اصدقاء سوريا معلنة ببيانات مطولة عن تبرعات سخية لمساعدة الشعب السوري؟ اما حقيقة نتائج تلك المؤتمرات كانت تشريدًا وهجرة مبرمجة للشعب السوري.

انها المؤامره الكبرى على سوريا وشعبها بهدف التغيير الديموغرافي وتفكيك المجتمع السوري. انها المؤامرة الخبيثة الدنيئة التي تمارس بحق سوريا العروبة، بحق سوريا التراث، بحق سوريا التاريخ من جراء سرقة اثار ومعالم التاريخ وهدم مساجد وكنائس ومعالم سوريا الحضاره بواسطة المافيا الاسرائيلية والتركية والعربية وكل ذلك بهدف طمس تاريخ وعراقة وعروبة سوريا.

للتذكير فقط....

ايها السوريون اتذكرون عملية تهجير الفلسطينيين عن فلسطين عام 1948 بدفع وتشجيع من الامم المتحدة وهيئة الامم وشرعة حقوق الانسان وبدعم من الاسرة الدولية بحجة الهرب من مجازر العدو الصهيوني ريثما يتم ايجاد حل في فلسطين؟ ولم يات هذا الحل الى يومنا هذا وبعد 66 عاما لا يزال الفلسطينيون مهجرين مشردين في اصقاع الدنيا واحتلت فلسطين ولم تزل وعملية تهويد قدس الاقداس مستمرة حتى يومنا هذا مترافقة مع صمت مطبق من قبل المجتمع الدولي وما يسمى الأسرة الدولية ومنظمات حقوق الانسان والامم المتحدة المتخاذلة ضد مصالح شعبنا ومستقبل اطفالنا وحضارتنا وتاريخنا العربي.

ايها السوريون ان سوريا ليست بيتا او شارعا او منطقة او محافظة. انها الوطن الام والام روح ومن منكم يستطيع العيش بدون روح ومن يفارق الروح يصبح جثة هامدة ولو بقي على قيد الحياه بواسطة ادوات التنفس الاصطناعي الاوروبي....