لم يكن يوم الأربعاء عادياً في المحكمة العسكرية، بل استثنائياً بكل شيء. الدولة بأجهزتها الامنية كلها حضرت بعديدها وعتادها، كيف لا والارهابي ​أحمد الأسير​ ضيفها. فالرجل الاستثنائي بحاجة الى اجراءات استثنائية أمنية ولوجستية اثناء وجوده بالمحكمة، خوفاً من اي عملية انتقامية ممّن تبقى من انصاره الفارين وخلاياه النائمة، الذين صدمهم توقيف "قائدهم" بعملية امنية اقل ما يقال عنها انها احترافية.

الاسير الذي حضر للمرة الاولى الى المحكمة لم يسمع صراخه كما عهده الراي العام، فكلمة "نعم" جل ما نطق به بعد مناداته من رئيس المحكمة العميد خليل ابراهيم، علمًا أنّ مسلسل الاسير بحلقته الاولى في المحكمة لم يكن طويلاً اذا ان الجلسة لم تدم طويلاً وتم تأجليها الى 20 تشرين الاول، وفيها تقدم محاميه انطوان نعمة طلباً لتشكيل لجنة طبية لتكشف عليه، كذلك طلب وكلاء الدفاع عنه الاستمهال للاطلاع على الملف.

"النشرة" التي واكبت انحراف الأسير تكشف عن اعترافاته حسب مصادر وكلاء الدفاع عنه بالتفصيل وكيف جهّز لمعركة عبرا. فقد أقرّ خلال التحقيق معه، بأنّه عندما وضع الجيش حاجزاً ظرفياً على إحدى الطرق الفرعيّة المؤدية إلى ​مسجد بلال بن رباح​ في 23-6-2013، أرسل الشيخ أحمد الحريري وعنصرين بغية الطلب من آمر الحاجز ازالته كونه يؤدي الى انزعاج المتوجهين الى المسجد لاداء صلاة الظهر، وبعد فترة ازيل الحاجز. وأشار إلى أنه علم لاحقاً ان شابين أوقفا عند حاجز الجيش على تقاطع في عبرا، وقد شعر بغضب عندما أخبره احدهما وهو طارق سرحال ان عناصر قاموا بضربه، فطلب على الفور من احمد الحريري التوجه والطلب من الضابط المسؤول عن الحاجز رفعه فوراً واصطحاب شباب في المسجد مع اسلحتهم الحربية بغية الضغط لازالة الحاجز.

هذه الحادثة كانت على ما يبدو "مبرّرًا" للأسير لإعلان "الحرب" على الجيش، وهو ما أوحى به في شهادته بقوله: "عندما سمعت اطلاق النار عليه ورأيت الدخان يتصاعد من مكتبي بواسطة الكاميرات، توجهت حينها الى مدخل المبنى وطلبت من العناصر الانتشار فوراً على اسطح المباني وفي محيط المسجد وانتظار فادي السوسي لادارة المعركة وتوزيع العناصر كل في مركزه. وكنت قد لبست جعبتي العسكرية واستلمت سلاحي الحربي، وبعد عدة دقائق عاد العناصر من الحاجز باستثناء الحريري الذي علق بالقرب من الحاجز وفر بعدها الى خارج المربع. وبعدها بدأ اطلاق النار باتجاه المربع الامني التابع لي فأمرت بالرد على مصادر النيران، وبعدها بدأ الاشتباك بين مجموعة تابعة لي والجيش. وأقدم السوسي على نشر مجموعات خارج المربع الامني كون المعركة قد فتحت على مصراعيها وكان الهدف منها تخفيف الضغط عن المربع".

اللافت في شهادة الأسير أنّه أقرّ بمشاركة فضل شاكر في المعارك، ما يدحض نكران الأخير لذلك ومحاولته التنصّل من أيّ دورٍ لعبه على هذا الصعيد، وأنّ شاكر انسحب في وقتٍ لاحق بعدما شعر بالهزيمة، وقد جاء في شهادة الأسير ما حرفيّته: "انتقلت الى الملجأ وتابعت أمور المعركة فيه طوال ليل 23-24 ولغاية الساعة العاشرة صباحاً وكان برفقتي فضل شاكر الذي شارك ومجموعته في المعارك، وبتاريخ 24-6-2013 وبسبب تشتت القوات التابعة لي وفرار عدد من المقاتلين ونفاذ جزء كبير من الذخيرة، قرر شاكر الانسحاب وعرض الموضوع علي وقلت له "ما بترك مسجدي وبفضل موت هون"، وبعدها سمحت لعناصري بالمغادرة لمن يرغب بذلك. على أثر ذلك غادر شاكر مع مجموعته عبر طريق لجهة الغرب وبقيت في المسجد مع بعض الاشخاص".

ولكنّ رياح السفن لم تجرِ كما اشتهى الأسير، ما دفعه إلى الانسحاب في ما بعد، وهو قال: "بعد حوالي الساعة من مغادرة شاكر وبعد اصرار ما تبقى من عناصر معي على ضرورة الانسحاب قررت ان ننسحب خصوصًا ان شاكر قد ارسل احد الاشخاص لاصطحابي عبر الطريق التي انسحب منها. وذهبنا جميعاً مع اسلحتنا نحو بناية احمد الهاشم حيث التقيت بشاكر وتشاورنا حول امكانية هروبنا الى خارج عبرا، وطلبت من المجموعة التي كانت معي ان تغادر وبقيت انا وشاكر واولادي وشقيقي امجد وزوجتي الاثنتين. بعدها صعدت الى شقة احمد الهاشم وعملت وشقيقي على حلق اللحية وطلبت من زوجتي العودة الى اهاليهما، في حين اخذت اتنقل من عبرا الى الهلالية فشرق صيدا الى حين وصولي الى طرابلس حيث منزل الشيخ سالم الرفعي".

مفارقة لافتة أخرى أنّ الأسير، على الرغم من كلّ ذلك ومن إعلانه الحرب على الجيش، والتي كان قد استبقها بهجومٍ ناري عليه في أكثر من مناسبة، إلا أنّه أصرّ في شهادته على القول أنه لم يكن في نيّته البدء لقتال الجيش، متحدثا عن وجود قرار فقط بمحاربته في حال محاولة دخوله المربع الامني في عبرا لتوقيفه او القضاء على مجموعته. وذكر انه قبل معركة الشقق بأيام دعا مجلس الشورى لديه، واخبرهم عن شعوره بوجود شيء يحاك ضده بغية الايقاع به. ولفت في التحقيق انه ناقش مع المجتمعين كيفية التعامل مع الجيش اذا قرر ازالة ظاهرته فكان القرار بالمواجهة ومقاتلة الجيش في حال حاول الدخول الى مربعه الامني. ونفى اعطاء اي امر بضرب ملالة الجيش. ورأى الأسير من الطبيعي الاستجابة لاوامره باطلاق النار على ​الجيش اللبناني​ وعلى اي هدف يتحرّك باتجاهه ومجموعته.

تواري الأسير عن الأنظار لم يدم طويلاً. النهاية كانت في المطار، وهنا كان للرجل معاونوا حاولوا تسهيل طريقه. هذا ما توحي به أيضًا إفادة المدعو المعتصم بالله عبد الرحمن الشامي، الذي كشف في شهادته أنّ والده تواصل يوم السبت 15-8-2015 مع صديق له ملقب بأبو ياسر "الذي حضر الى منزلنا في جدرا بواسطة جيب هوندا وصعد الى المنزل واصطحب الاسير معه عند التاسعة والنصف". وقال: "طلب مني ابي الذي غادر الى عمله صباحاً ان اتصل باستعلامات المطار للاستفسار اذا كانت الرحلة المتوجهة الى مصر قد اقلعت ام لا. وقد استعملت خطاً اجهله كان والدي يضعه في المنزل للاستعمال الامني. وعندما علمت ان الطائرة ستقلع بموعدها اخبرت ابي وكان هذا اخر اتصال بيني وبينه".

هكذا أسدلت الستارة على الحلقة الأولى من مسلسل اعترافات الأسير، مسلسلٌ يُتوقّع أن يحمل معه الكثير من المفاجآت والأسرار، فللأسير داعمون ومموّلون وربما محرّضون، وهؤلاء من يجب الوصول إليهم في نهاية المطاف...