أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس - بطريركية الروم الأرثوذكس بالقدس المطران عطا الله حنا، ان "مدينة القدس تعاني من سياسات اسرائيل العنصرية التي تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، إضافة إلى الحضور العربي الفلسطيني الأصيل فيها"، مشددا على أن "كل شيء عربي فيها مستباح في ظل سياسة عنصرية إقصائية".

ورأى حنا ان "التهويد وصل إلى مراحل متقدمة جدا، وقد اشتدت وتيرته مؤخرا بسبب الوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه وواقع الحال العربي المخجل، الأمر جعل إسرائيل تمعن في سياساتها القمعية تجاه الشعب الفلسطيني، لكننا نؤكد أن شعبنا لم ولن يستسلم لإسرائيل، وها نحن صامدون في مدينتنا ونقاوم قدر الإمكان بصدورنا العارية"، معتبراً أن "الحضور الفلسطيني في القدس رقم صعب، كمؤسسات ومدارس، فكل شيء فيها يقاوم الاحتلال العنصري، ونحن نتساءل: أين العرب والمسلمون من القدس التي يتم تهويدها؟".

واردف: "آخر مظاهر التهويد نلمسه في الضغط الإسرائيلي لإلغاء المناهج الفلسطينية في مدارس القدس، كما أنها تسعى لإلغاء كافة أوجه الثقافة الفلسطينية وكل ما له علاقة بالتاريخ العربي- الإسلامي في القدس، وهي ترغب أيضاً بشطب مصطلحات النكبة والاحتلال والانتفاضة والثورة واللاجئين والمقاومة من قاموسنا، ونؤكد أن هذا لن يحصل أبد"، كاشفاً "هناك إضراب في مدارسنا المسيحية في المحتل من أرضنا عام 1948، لأن وزارة المعارف الإسرائيلية أرادت ابتزازها ماليا لفرض أجنداتها، لكن مدارسنا الوطنية المنتمية لفلسطين رفضت الإذعان، وأعلنت الإضراب المفتوح منذ بداية العام الدراسي الحالي، وسنصعد وربما أعلنا لاحقا إغلاق كنائسنا في وجه الحجاج المسيحيين".

ولم ينكر حنا أن "إسرائيل تتدخل في الحياة الفلسطينية ويكمن ذلك في نشاطات بلدية القدس الإسرائيلية التي تقام تحت عناوين ثقافية ومعارض ومسارح وموسيقى، وكلها تحمل مضامين تهويدية لبسط السيطرة على القدس"، مضيفاً: "لقد شكلت أنا وأخي الشيخ عكرمة صبري لجنة لصمود القدس مهمتها زيارة كافة التجمعات الفلسطينية والالتقاء بالشباب وتنويرهم لمنع تلويث عقولهم".

واذ شدد المطران حنا على أن "الأقصى ليس قضية إسلامية فقط بل هو شأن عربي وإسلامي وعالم حر، وهو قضية العرب والمسلمين بالدرجة الأولى، وقبل أيام قمت مع وفد مسيحي بزيارة المسجد الأقصى وقلت أمام العلماء المسلمين تحت قبة الصخرة، أن الاعتداء على الأقصى هو اعتداء علينا جميعا، ومن يعتدي على الأقصى، فإنه لاحقاً سيعتدي على كنيسة القيامة والعكس صحي، فنحن أمة واحدة وشعب واحد لا نقبل القسمة على اثنين، وعلينا التصدي جميعا للاحتلال بوحدتنا وانتمائنا وإخائنا الديني"، لافتاً الى ان "الأقصى يستصرخ ضمائر الجميع لنصرته والحفاظ عليه، فهناك تهديدات جدية بحقه، وكنا نقول قبل عشر سنوات أن الأقصى في خطر، لكننا اليوم نقول إنه في كارثة، ونحن نتصدى لهم لأننا نؤمن أن اليوم للأقصى وغدا سيكون يوم كنيسة القيامة لأن الجميع مستهدفون، وفي ظل ما تقوم به اسرائيل"، معتبراً ان "ما يحدث اليوم في الأقصى هو أمر غير معهود وليس مسبوقا، فالمتطرفون الصهاينة بقيادة زعماء اليمين وتحت حراسة جيش الاحتلال وشرطته ومخابراته، يقتحمون الأقصى يومياً، ويقومون باستفزاز المصلين المسلمين، وهم لا يأتون زوارا بل مدنسين، والأسوأ من ذلك أن بوابات الأقصى تغلق أمام المصلين المسلمين وتفتح للمستوطنين".

واشار المطران حنا ان "المسجد الأقصى المبارك وبسبب الحفريات أصبح معلقاً في الهواء، ولا أغالي إن قلت أن هزة أرضية مفتعلة بمقياس 4 ريختر تهدمه، أو حتى طائرة تخترق جدار الصوت عمداً، وتهدف هذه الحفريات إلى البحث عن آثار يهودية غير موجودة أصلا، إضافة إلى زعزعة أساسات الأقصى. وبالفعل بدأنا نلحظ مؤخراً تشققات وأموراً خطيرة في جدرانه، ويقوم مسؤولو الأوقاف في الأقصى بالتبليغ ولكن لا حياة لمن تنادي".

واكد المطران حنا ان "حكومة اسرائيل تستغل الهيكل المزعوم لاعتبارات سياسية بحتة، ليقولوا للعالم أن القدس لهم وأنهم كانوا موجودين على هذه الأرض يوماً، وأنها لهم وحدهم وليست لغيرهم، وأن القدس هي عاصمة "الشعب" اليهودي، علماً أن مخطوطات البحر الميت - قمران العبرية تفيد غير ذلك. نحن كفلسطينيين نحترم كل الأديان، وثقافتنا مبنية على التسامح الديني، ولا ننكر أن القدس مقدسة للديانات الثلاث السماوية، كما أننا نحترم الخصوصيات، لكننا نرفض العنصرية واستغلال الدين سياسياً وعنصرياً، كما تفعل الحركة الصهيونية".

واوضح المطران حنا ان "التقسيم الأول في المسجد الإبراهيمي الشريف بالخليل بعد المجزرة الإسرائيلية البشعة التي ارتكبوها في أحد أيام رمضان المبارك قبل عدة سنوات، وكنت أنا وشهيد القدس فيصل الحسيني أول من دخلوا الحرم بعيد المجزرة وكانت الدماء تنزف ولن أنسى ذلك المشهد المروع ما حييت"، لافتاً الى انه "ومنذ ذلك الحين فرضت إسرائيل باعتبارها قوة احتلال عنصري التقسيم مكانياً على الحرم بين المسلمين واليهود، ولما لم يلمسوا ردة فعل عربية وإسلامية رادعة، انتقلوا للتقسيم المكاني، وها هم يخططون نفس الجريمة للمسجد الأقصى، وللأسف الشديد لم نر ردة فعل عربية أو إسلامية ذات معنى على هذا التصرف الاحتلالي العنصري، كما أننا لم نسمع عن اجتماع للجنة القدس المعنية بمثل هذه الأمور، حتى أننا لم نعد نسمع عن بيانات ذات بال، وهذا ما يدعونا للقلق أن تنجح إسرائيل في مخططتها هذا".

وتمنى المطران حنا ألا يهدوا الاقصى، ونقول مؤمنين أن للبيت رباً يحميه، رغم المتخاذلين والمتآمرين والمتنازلين، ومن يضمرون الشر لنا، فهنالك إله عادل في السماء سيحميه"، مشيراً الى انه "وقبل أيام أقمنا صلاة في كنيسة القيامة بالقدس لنصرة الضعفاء في العالم وخاصة المشردين الذين يقضون غرقاً في مياه المتوسط، وقلت لن نناشد الحكام العرب والمسلمين وقياداتهم السياسية منذ اليوم، بل سنتوجه إلى الله العلي القدير ليحفظ مدينتنا ومقدساتنا، لأننا لم نعد نثق بأي جهة سياسية، ونحن متكلون على الله وعلى شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية".

واردف: "لقد فقدنا الأمل في بعض الأنظمة العربية، لكننا نأمل أن تبقى شعوبنا يقظة وتجتاز هذه المرحلة المريبة، ونطالب الجميع أن يتذكروا على الدوام أن فلسطين هي البوصلة، وأن بقاء الاحتلال هو امتهان لكرامتنا جميعا".