عكس مشهد إعدام الطفل محمد مناصر (12 عاماً) وإصابة ابن عمّه أحمد مناصرة (13 عامًا) بعدّة أعيرة نارية، الذي ظهر في فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي نشره مستوطنون في ​القدس​ المحتلة، تصاعد وتيرة عمليات الإعدام الميدانية التي يقوم بها جنود الاحتلال الإسرائيلي في ​الضفة الغربية​ المحتلة والقدس بدم بارد(1)، بالتزامن مع استمرار حالة الغضب الشعبي الفلسطيني والتي نتج عنها تنفيذ عمليات فدائية داخل العمق الإسرائيلي وهو ما تُرجم خلال الساعات الماضية من خلال تنفيذ أربع عمليات في آن واحد بوسائل وطرق مختلفة.

مع ذلك، يرى مراقبون ومختصون أنّ عمليات الاعدام الميدانية ناتجة عن أسباب عدة من ضمنها حالة الارتباك والهوس لدى جنود وقوات الاحتلال، إضافة إلى الغطاء السياسي والقانوني من قبل الحكومة الإسرائيلية التي أعطت الضوء الأخضر بذلك، فضلاً عن الفكر اليهودي المتطرف الذي يعكس إرهاباً منظماً تجاه الفلسطينيين يترجم من خلال القتل.

رغبة بالقتل

برأي المختص في الشؤون الإسرائيلية ​مأمون أبو عامر​، فإنّ عمليات الاعدام الميدانية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مختلف المناطق الفلسطينية ناتجة عن سببين رئيسيين، الأول أن الجندي الذي يحمل سلاحه خائف في ظل حالة الرعب التي فرضها الشباب الفلسطيني والتي أصبحت تسيطر على الشارع الإسرائيلي، والثاني وهو القوانين الإسرائيلية التي توفر الحماية للجنود من أجل ممارسة أعمال الإعدام.

ويتحدّث أبو عامر عن استسهال للقتل ورغبة به كامنة لدى جنود الاحتلال، موضحاً أنّ أيّ إسرائيل، مدنياً كان أو عسكرياً، لن يفوّت فرصة سانحة أمامه لتفجير حقده وممارسة القتل، وهذا الأمر يسري بشكل خاص على الذين ينتمون لتيارات فكرية متطرفة ومعادية للعرب.

قرار إسرائيلي

ويتفق المختص في الشؤون الفلسطينية والعربية ​تيسير محيسن​ مع ما قاله أبو عامر، إذ يؤكد أنّ استخدام جيش الاحتلال لهذه الطرق الوحشية في القتل والإعدامات نابع من قرارات صادرة من الحكومة الإسرائيلية.

وفي حديث لـ"النشرة"، يشدّد محيسن على أنّ هذه العمليات تحظى بالتغطية السياسية والقانونية، ويصف الأمر بأنّه "قمة النازية"، وهي ما تدفع الشباب الفلسطيني إلى ردات الفعل التي نشهدها هذه الأيام.

ويتوقّع محيسن أن يتخذ جيش الاحتلال الاسرائيلي قراراً بتوسيع دائرة السيطرة والدخول إلى المدن والقرى الفلسطينية وتنفيذ عمليات اعتقال واسعة لكل قيادات الفصائل الفلسطينية والشبان الذين يعتقد أنّهم منخرطون في عمل انتفاضي، "إذ يعتقد أنّه بهذه الطريقة يستطيع أن يحبط الشباب الفلسطيني ويجهض انتفاضته، إلا أنّه واهمٌ في ذلك".

ويضيف محيسن: "الشرارة بدأت والنار بدأت تشتعل وتنتشر والفصائل الفلسطينية حتماً تجتمع وتفكر ملياً كيف يمكن أن تطور وتوجه وتنظم العمل الانتفاضي في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ليصبح هناك حالة اشتباك واسعة مع الاحتلال الاسرائيلي".

حالة هوس وارتباك

من جهته، يتحدّث أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، ​مخيمر أبو سعدة​، عن حالة ارتباك لدى عناصر الشرطة الإسرائيلية وحراس الحدود المنتشرين في شوارع القدس وأحياء الضفة الغربية المحتلة، لافتاً إلى وجود قرار بفتح النار على أي فلسطيني يقوم بحركة غريبة وذلك لقتله على الفور، حتى لا يشكل خطرا على حياة الجنود.

ويردّ أبو سعدة الارتباك الاسرائيلي الذي ظهر جلياً في بادئ الأمر إلى كون جيش الاحتلال غير مدرّب على موجهة عمليات فردية يقوم بها الشباب الفلسطيني، باعتبار أنّه مدرّب لخوض حروب تقليدية حصراً.

ويرى الأكاديمي الفلسطيني أبو سعدة أنّ ما يحدث الآن من موجة غضب عارمة كانت متوقعة إذ أن الاستيطان مستمر وعمليات التهويد والقتل زادت في الفترة الأخيرة ومعها شهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات ممنهجة بشكل يومي ما أكد أن الانفجار قادم.

هل تستمر؟

ورغم أنّ "الكابينت" الإسرائيلي (المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية) اتخذ عدة قرارات(2)اعتقد أن من شأنها ردع الشبان الفلسطينيين ووقف موجة الغضب في الأراضي الفلسطينية، إلا أنّ أبو سعدة يرى أن ذلك لا يمكن أن يردع الشبان الفلسطينيين، إذ أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ومؤسسته الأمنية، دائماً تخطئ في تقديراتها.

ويؤكد أبو سعدة أن حالة الغضب الموجودة في الشارع لا يمكن أن تتوقف إلا بإجراءات من شأنها وقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال والحصار، وهذا ما أكّد عليه خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة قبل أسبوعين، إذ أنه "أوصل رسالة للجميع بأنه لا يوجد أمل في إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان".

ويتوقع أستاذ العلوم السياسية أن تتصاعد الأمور بشكل أوسع، سيما وأن إجراءات "إسرائيل" تندرج في سياق العقاب الجماعي ولن تؤدي إلى تهدئة الأحداث بل ستصعدها.

هكذا إذاً، بعمليات الإعدام الميداني، تحاول إسرائيل أن تجهض "انتفاضة السكاكين" في مهدها، محاولة يقول الفلسطينيون أنّها يائسة، لأنّ العودة إلى الوراء باتت من المحرّمات بكلّ بساطة، بل إنّهم يعدون بأساليب جديدة قد تظهر خلال الأيام القليلة المقبلة...

(1)منذ بداية تشرين الأول 2015، قتل 32 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس، منهم 7 أطفال، وبلغ عدد المصابين بالرصاص الحي والمطاطي والاعتداءات بالضرب والإصابات بالحروق نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية حوالي 1500 إصابة، منها 550 بالرصاص الحي و700 بالرصاص المطاطي، من أكثر من 200 طفل و 40 إمرأة، فيما أصيب الآلاف بالاختناق نتيجة الغاز السام، بحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية.

(2)تجنيد جنود للعمل إلى جانب الشرطة من اجل توفير الحماية للإسرائيليين في المدن الاسرائيلية، ثانياً، هدم منازل منفذي العمليات فوراً، وسحب الهويات من منفذي العمليات في أراضي 48 ومن يقدم لهم المساعدة، إضافة إلى حصار احياء فلسطينية بالقدس الشرقية واحاطتها بالشرطة والجيش الإسرائيلي.