يوحي الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط في هذه الفترة، بأن الدول الرئيسية المعنية بالصراع فيها، تسعى إلى تسوية الأزمة في سورية، خصوصاً بعد التدخّل العسكري المباشر لروسيا، والذي ساهم في تعديل موازين القوى على الأرض السورية، بعد الغارات الجوية التي بدأتها روسيا منذ شهر ونيف تقريباً، والتي أدت إلى إضعاف سيطرة "داعش" في سورية، وتقدُّم الجيش السوري في العديد من المحاور الشمالية والجنوبية، وأفسدت على تركيا ومعها "داعش" وأخواتها من التكفيريين مشروع السيطرة على الشمال السوري وإنشاء المنطقة العازلة والتمدد باتجاه لبنان.

روسيا لا تريد أن تُظهر أن معركتها في سورية هي من أجل تحقيق انتصار عسكري، والمحافظة على أمنها القومي، وإثبات حضورها الفاعل فيها، لذلك أعلنت ان وظيفة هذا التدخل هو القضاء على الإرهاب، وتوظيفه لحساب التسوية.

من جهتها، أميركا لا تريد أن تُظهر نفسها أمام العالم بأنها تعارض التسوية في هذه المرحلة، لذلك وافقت على اجتماع فيينا الموسع، وهنا نسأل: هل أميركا جادة في إنهاء الأزمة في سورية؟ وهل لديها مشروع يهدف إلى حلها؟

مواقف كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي فيما خص الأزمة في سورية، والتي تظهر التباين في نظرة كل منهما إليها، والارتباك في طريقة التعاطي معها، والتردد في بعض المواقف السياسية للإدارة الأميركية، والارتباك في بعضها الآخر، إضافة إلى صمود النظام أكثر من أربع سنوات، رغم المراهنة على سقوطه خلال أشهر، ما فرض بقاء الرئيس بشار الأسد كجزء أساس في أية تسوية مقبلة، خلافاً لرأي أميركا ودول الخليج التي تريد استبعاده، وكذلك الوضع العسكري الذي بدأ يميل لمصلحة النظام، والذي سيقوّي موقعه التفاوضي، مقابل تراجع أميركا ومعها التكفيريين في الميدان العسكري، هذه الأمور مجتمعة تؤشر إلى أن أميركا ليست جاهزة للتسوية في هذه المرحلة.

اجتماع فيينا الذي ضم 17 دولة، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذي خلص في بيانه الختامي إلى مجموعة من المبادئ، كوحدة سورية واستقلالها وهويتها العلمانية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة ذات مصداقية، ووضع دستور جديد، وإجراء انتخابات جديدة، وتنفيذ وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد، اكتفى بطرح العناوين العامة التي لا تثير حفيظة أي طرف من الأطراف المتصارعة، ولم يأت على ذكر المواضيع الخلافية، لأن طرحها سينسف الاجتماع.

تفاهَمَ الجميع على ضرورة الاستمرار في اللقاءات، على الرغم من الاختلاف الكبير في وجهات النظر، ما خلا تقبُّل البعض بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية، وتقليص صلاحياته الرئاسية، والتي لم تناقَش في الاجتماع نظراً إلى حساسيتها، لكنهم في الوقت ذاته سيستمرون في معركتهم في سورية، وستعمل أميركا على إبقاء سورية في حالة استنزاف، لأن ظروف الحل ليست ناضجة، وستنتظر الأحداث والتغيرات الميدانية في الساحة السورية، وترى كيف يمكن أن تستفيد منها لفرض شروطها في أية تسوية جديدة.