زُبْدَةُ الكلامِ في مجزرة​برج البراجنة​، أنّ الإتعاظ ممّا حدثَ، يَجِبُ ألاّ يحيدَ بِنَا عن التبصّر في واقع الامور، لإدراك خطورة المرحلة ودقّتها من جهة، وضرورة العمل التكاتفيّ بين كلّ المكوّنات السياسية، والجماعات الحزبيّة، والانتماءات الطائفية والعقيدية، من أجل إعادة كلّ اللبنانيّين الى كلّ لبنان، وإعادة كلّ لبنان الى كلّ اللبنانيين، بمعنى أن يستعيد الوطن كلّ عناصره بهدف الانطلاق بمفهوم المواطنة من جديد، وِفقَ أُسُسٍ ركيزيّة صلبة، لا تَحرُّكها عصبيات، ولا تهزّها أهواءٌ ولا تتهدّدها ولاءاتٌ!

كان من الطبيعي جدّاً ان تتضافر جهود كلّ أبناء الوطن لإستنكار وشجب وإدانة التفجيرات الإنتحارية الكفريّة، التي ضربت لبنان، وليس منطقة برج البراجنة فقط... وهذا ما حصلَ عَفْواً، والحمدالله!

وكان من واجبنا جميعاً، بمختلف إنتماءاتنا وتوزّعاتنا الدينية والمذهبية والمناطقية، أن نعتبرَ ونحُسَّ بِعُمْقنا، أن الإرهاب نال منّا كلّنا، وأنه يريد النَيْلَ من صورة لبنان السلامية، ودوره الحضاري، وقيمته الإنسانية... وهذا بدا جليّاً والحمد لله!

لكن المُسْتغرَبَ، في هذه الحال السوداء، والتي شعر كلّ اللبنانيين أنهم معنيّون بمُجْرياتها وتطوّراتها ونتائجها وتداعياتها، ان لبنان الرسمي تعاطى مع الموضوع ببرودةٍ غير مبرّرة، لَمْ تُلاقِ مخاوفَ النَّاسَ، وَلَمْ تتجانس مع ظروف اللحظة ومُوجباتها، التضامنية والإحتضانية والإستنكارية!

نعم، كان من اللاّفت كثيراً أن لا تُدْعَى الحكومة الى الإنعقاد في جلسةٍ طارئة لمواكبة خطورة المرحلة؛ وكان من المُسْتغْرَبِ شديداً أن لا يتمّ تنظيم تشييعٍ جماعي للضحايا، بصفتهم شهداء لبانيين ابرياء، ينتمون الى جغرافية سياسية، هي (لبنان)؛ والأغربُ من الأغرب، أن تمرَّ مجزرة البرج وكأنها من يومياتنا العاديّة، وكأن ما حصل هناك، لا يعني كثيراً الذين هنا!

ومع تقديرنا لدقّة الظروف، وحراجة الموقف الإقليمي، الذي دعا المسؤولين الى التعاطي الحَذِر والهادئ مع هذه الجريمة الموصوفة، فإنّ من واجبنا كمواطنين معنيين بتفاصيل كلّ ما يحدث، ان نسأل ونتساءل، حتى نعرف أكثر، في بلدٍ ممنوعٌ علينا فِيهِ أن نعرفَ القليلَ الأقَلّ!

1-هل كلفة الدّم والارواح التي دفعت الضاحية أثمانها، معنيٌّ بها كلّ لبنان، أم أنّ دماء أهل الضاحية لا تعنينا كلّنا؟

2-لماذا لَمْ نرَ زعماء لبنان، من ذوي التصنيف الأول، يتفقدون أبناء البرج، ويبكون لبكائهم، ويساندونهم وقتَ الشدّة، ويقدِّمون لهم العون والدعم المعنوي والماديّ!؟

3- لماذا لَمْ تُعْلِنْ الحكومة الإضراب العام، حزناً على أكثر من أربعين شهيداً ومئتي جريح؟ لماذا أضاعتْ فرصةَ جمعِ اللبنانيين وتوحيدهم وراء نعوش بيضاء، قتلها الظلام التكفيريّ؟

4-من حقّ كلّ لبناني أن يسأل حكومته، وليس دولته، عن (ثمن) كلّ ضحية، وكيفية تصنيفها، وترتيبها في سُلَّم المفقودات على موانئ الوطن ومطاراته، حيثُ للمفقوداتِ قيمة وضمانة، في حين ان اللبنانيين الذين هم في قلب البلد، ليس من حسابٍ لهم في هموم السلطة وإنشغالاتها اليومية...

5-ثَبُتَ وتأكّدّ لنا يقيناً، أن ليس في قاموس وتاريخ حكوماتنا، لا حلّاً ولا مشاريعَ حلول للأزمات والفضائح التي تتناسل وتتراكم لحظوياً، ليس فقط لأنها عاجزة ومغمّضة العيون عن هدر الكرامات، بَلْ لأنها حكومات إتكّالية، تستندُ الى مبدأ ذهبيٍّ هو أن قضايا لبنان ومشاكله ليس لها حلولٌ، في منطق السلطة القابضة، بَلْ إنّ الفضيحة الجديدة تقتل القديمة... والمشكلة الجديدة تنسينا القديمة.. والخطأ الأكبر يغطِي الخطأ الأصغر!

إنه منطقُ اللّاحلّ، الذي فيه مخرجٌ لكلِّ مشكلة مُسْتقبلية... للسلطة المحروسة من غير اللّه!

تُرى، هلْ يَتْعِظ اللبنانيّون، ويعرفون انهم أقرب الى بعضهم، من أيِّ سلطةً، مهما باعدت الايام والمساحات بينهم؟! وهلْ إكتشفوا ان الدّم الشيعي، هو من نفس فئة الدّم المسيحي والسنّي، وأن الوجدان اللبناني النقيَّ، لا يميِّزُ بين دمٍ ودمٍ لبنانيٌّ؟!

كلُّنا نبكي لبكاء الضاحية!

كلّنا نعتزُّ بصمود أهاليها وصلابة إيمانهم!

والأملُ، أن تستعيد الدولة أبناءها، حتى نستعيد الأمل بلبنان الذي نريده أن يبقى رائدَ الوطنيّة الكاملة، في مجتمعٍ إستثنائيٍ، نطمحُ ان ننتقلَ بهِ من مفهوم التعددّية الدائمةِ التشظّي، الى منظورِ التكامليّةِ، حيثُ يشعرُ كلُّ لبنانيٌّ انه معنيٌّ بكلِّ لبنان!