مع اقتراب الشتاء، عادت جبهة النصرة الى المناورة والابتزاز من خلال اعادة طرح مطلب سبق لها وأن طرحته مثل هذا الوقت من العام الماضي. فالثلوج التي تعيق حركتها وتأسرها في بقعة جغرافية محددةن قد يسهل معها على الجيش اللبناني وحزب الله من جهة، والجيش السوري من جهة أخرى احكام الطوق عليها.

من هنا، تسعى جبهة النصرة الى ابتزاز الدولة اللبنانية مجدداً بملف العسكريين المختطفين لديها بعبور آمن الى بلدتي فليطة والمعرة في القلمون السوري. ويبدو ملف العسكريين ارضاً خصبة لهذا الابتزاز الذي نقله والد الجندي المخطوف وائل حمص، الذي زار الجرود قبل أيام للاطمئنان إلى ولده، وهو الذي بات من ضمن القلّة التي يسمح لها بالزيارة ونقل الرسائل من الجبهة الى الاهالي وعبرهم الى الدولة اللبنانية. وحجّة النصرة في مطلبها، أن النازحين السوريين في عرسال هم بغالبيتهم من سكان هاتين القريتين، وبالتالي فالنصرة تسعى لاعادتهم الى قراهم.

هذه وجهة نظر النصرة اذاً. في المقابل، تشير المعطيات الى أن بلدتي فليطة والمعرة شكّلتا قلعتين للجماعات التكفيرية قبل سيطرة الجيش السوري وحزب الله على القلمون السوري. واليوم، اختارتهم جبهة النصرة بهدف التموضع الجغرافي القريب من جرود عرسال، لتشكّل البلدتان ملاذاً ومأوى على ابواب الشتاء.

وفي ضوء ما سبق، ترى مصادر امنية الكثير من السذاجة المقصودة في طلب جبهة النصرة، وتطرح ملاحظات عدة عبر ال"البلد" هي الآتية:

1- كيف يمكن لدولة ذات سيادة ان تقدّم للارهابيين، في ضوء ما يشهده العالم من هجمات ارهابية، ملاذاً آمناً على اراضيها؟

2-في ذروة الاشتباك الاجتثاثي للارهاب، هل يمكن للدولتين اللبنانية والسورية ان تقيما منظومة تعايش آمن على ارضها؟

3-على الرغم من ان المعنيين بالملف هم الجنود اللبنانيون، الاّ ان طلب جبهة النصرة له علاقة بالدولة السورية. فكيف يمكن لدمشق أن تقدم ارضاً سورية للجماعات الارهابية وهي في خضم المعركة معهم؟ علماً ان سوريا تبدي استعداداً عبر الوسيط اللبناني لتسهيل الافراج عن معتقلين في اطار صفقة الافراج عن العسكريين اللبنانيين.

بناء على ما تقدّم، تقول اوساط مطّلعة إن ارادة المجموعات التكفيرية ليست بالدفع نحو حلّ الملف، إنما اضافة المزيد من التعقيدات بهدف الابقاء على العسكريين كورقة ضغط تستخدم في سياق حماية هذه الجماعات لنفسها والحفاظ على اوراح مقاتليها لوقت لاحق. فطالما أن العسكريين في قبضتها، تطمئن الى أن اي هجوم لن يشن في اتجاه مواقعها.

ووفق المعلومات، فالمفاوضات مع الخاطفين كانت قد توقفت منذ نحو شهرين بعدما وصلت الى نقطة بالغة في الايجابية قاربت امكان الوصول الى الخاتمة السعيدة، بعدما دخلت مرحلة البحث في مكان تنفيذ الاتفاق الذي نص على إطلاق نحو 50 موقوفاً من السجون اللبنانية، في مقابل إطلاق النصرة جميع الجنود الذين لا تزال تحتفظ بهم. ولكن فجأة، اختفى الوسيط القطري واختفت معه الايجابية المرتبطة بملف جبهة النصرة، فيما التواصل مع داعش مقطوع.

ووفق معطيات "البلد" "فالمسؤولية لا تقع على الدولة اللبنانية، بل على الأطراف الخاطفين الذين يستثمرون هذا الملف وفقاً لأجندة خاصة بهم". فالدولة اللبنانية قبلت عبر المفاوض الرسمي بمبدأ المقايضة في عملية التفاوض، وهي لم تقصّر ولم تترك مجالاً أو باباً لاستعادة العسكريين إلا وطرقته، وأقدمت عليه من دون تردد، فيما التردد يظهر عند الجانب الآخر".

في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، لا تزال خيم اهالي العسكريين على حالها، تستحضر هذا الملف الذي لم يقفل بعد منذ الثاني من آب 2014. يومياً، تقطع العائلات موعداً مع بعضها البعض في هذا المكان، حيث تستحضر الاخبار والخبريات على فنجان قهوة بالقرب من الصور المرفوعة لابنائها. وعلى الرغم من ان امتاراً قليلة تفصل ما بين الاعتصام والسرايا الحكومية، الاّ أن لا جديد يصل من خلف السياج الفاصل.

وهل سمع الأهالي اي جديد خلال زيارتهم الأخيرة للسرايا الحكومية؟ يشرح المتحدث باسم الاهالي حسين يوسف ل"البلد" ان "ما يمكن قوله ان اللقاءات والاحاديث بيننا وبين المعنيين بملف العسكريين تؤكد انهم يتعاملون مع الملف بقوة وحزم وجاهزون للحل بالامكانات المتاحة لديهم".

يقول يوسف إن "مطلب النصرة قديم ولكن لا يزال هناك اصرار عليه من قبل ابو مالك التلي، وبالنسبة الينا ففاقد الشيء لا يعطيه، اذ اننا نرفع الصوت وننقل الصرخة ولكن الحل ليس بأيدينا لناحية القبول بهذا المطلب".

من هنا، يبدو أن لا بديل امام الاهالي سوى الانتظار. فالأشهر تمر من دون اي جديد او خرق ايجابي. اما المكسب الوحيد حتى الساعة، هي الضمانة التي حصل عليها المفاوض اللبناني برعاية اقليمية بعدم التعرّض للعسكريين. وبالتالي ليس امام الاهالي راهناً سوى الاستسلام للمعادلة سلامة العسكريين في مقابل الانتظار.