على وقع المداولات التي كانت قائمة في ​مؤتمر الرياض​، الهادف إلى توحيد قوى المعارضة السورية برعاية السعودية، كانت الأسئلة تطرح حول موقف أبرز الفصائل العسكرية المعارضة على أرض الواقع، أي "​جبهة النصرة​" وتنظيم "داعش"، نظراً إلى عدم حضورهما بسبب تصنيفهما منظمتين إرهابيتين، بالرغم من مشاركة فصائل وقوى مقربة منهما، خصوصاً حركة "​أحرار الشام​"، التي لا يزال موقفها ملتبساً.

وفي حين كان موقف "داعش" واضحاً منذ البداية، على إعتبار أن من ضمن أهداف أغلب الإجتماعات الإقليمية والدولية التي تعقد في هذه الأيام محاربته، كانت "النصرة" مشغولة بالتسويق لمؤتمر صحافي لزعيمها أبو محمد الجولاني، يعرض في وقت لاحق، يتناول فيه بشكل أساسي الموقف من مداولات الرياض، بالإضافة إلى آخر المستجدات، إلا أن غيابها عن المؤتمر يؤكد فشل كل محاولات إبعادها عن تنظيم "القاعدة"، ما يعني أن موقفها لن يكون أفضل من موقف أنصار أبو بكر البغدادي.

في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن المؤتمر المذكور نجح، من حيث المبدأ، في جر "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، المدعوم من السعودية، إلى الإعلان عن موافقته الدخول في مفاوضات سياسية مع الحكومة السورية، بالرغم من إعتراض بعض القوى الإقليمية والدولية، لا سيما روسيا، على تصنيفه فصيلاً معتدلاً، حيث الحديث عن شبهات حوله لا تزال قائمة حتى الآن، لكن الأمر نفسه لم ينجح بشكل كامل مع حركة "أحرار الشام"، التي أعلنت إنسحابها في البداية، لكن في ما بعد تحدثت بعض المعلومات عن تراجعها عن هذا الخيار مقابل نفي أخرى هذا الأمر، ما يضعه البعض في سياق الجدال القائم بين أجنحتها المتعددة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الحركة ستكون أمام تحديات كبيرة، في الأيام المقبلة، سواء وقعت أم لم توقع على البيان الختامي، ففي الحالة الأولى ستكون عرضة للإنقسام بين شخصيات ترفض ما صدر عن المؤتمر، وأخرى تريد الإنخراط في العمل السياسي كي لا يتم إستبعادها عن المفاوضات في المستقبل، نظراً إلى أن كل فصيل معارض سوف يصنف ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، أما في الحالة الثانية فإن الوضع سيكون أكثر خطورة، حيث من المفترض أن تعمل سريعاً على فك تحالفها مع "النصرة"، لا بل مشاركتها في أي حرب ستشن على الجبهة لاحقاً، بعد سنوات من التحالف المتين بينهما.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن القيادات السلفية، التي تعتبر "ملهمة" لعناصر الجبهة، كانت تعلن بالتزامن مع المشاورات في الرياض، "تكفير" المشاركين في المؤتمر، بسبب موافقتهم على "مدنية الدولة" والمفاوضات مع الحكومة، وتضيف: "لن تكون موافقة الحركة على "مدنية الدولة" أمراً سهلاً، بالإضافة إلى البند المتعلق بالمقاتلين الأجانب، فهي كانت تسعى إلى منح الجنسية السورية لعناصرها الغرباء، كما أن الإحصاءات تؤكد أن 30% من إرهابيي "النصرة" هم من غير السوريين".

على صعيد متصل، تشدد المصادر المتابعة على أن النقطة المفصلية في الأحداث السورية تبقى في موقف كل من "النصرة" و"داعش"، حيث تؤكد بأن مسار الأحداث سوف يدفعهما، بالإضافة إلى الفصائل والكتائب التي تدور في فلكهما، إلى الوحدة، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، خصوصاً أن مواقفهما العقائدية والسياسية شبه موحدة، وما يفرقهما خلاف تنظيمي بين الجانبين، ناتج عن تنازع أبو محمد الجولاني وأبو بكر البغدادي على الزعامة في الساحة الشامية، وتذكر بأن زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري كان قد دعا، في وقت سابق، إلى تجاوز الصراعات من أجل مواجهة التحديات المشتركة.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، ترى هذه المصادر أن التداعيات المترتبة على هذا المؤتمر، بغض النظر عن نتائجه ستكون كبيرة جداً، من غير الممكن القول أن صورتها الكاملة سوف تظهر في الأيام القليلة المقبلة، لا سيما أنها تقضي بشكل مباشر على ما تم الإتفاق عليه في مؤتمر فيينا الثاني، لناحية مصير الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعني عودة الأمور على المستوى السياسي إلى الوراء، أي إلى ما قبل التدخل الروسي المباشر في الحرب، وتعتبر أن هذا التوجه يعني أن الآثار من غير الممكن أن تنحصر بالواقع السوري فقط، بل ستشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها.

في المحصلة، نجح مؤتمر الرياض في تقديم الدعم إلى الرؤية السعودية والقطرية والتركية في الملف السوري، عبر جمع مجموعة كبيرة من القوى والشخصيات المعارضة ضمن إطار واحد، لكن عملياً لم يقدم أي جديد يساهم في حل الأزمة.