على الرغم من حدّة المعارك في مناطق سيطرة الحوثيين في محافظات الشمال، فإن "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية ومعها دول الخليج بغطاء أميركي ضد الحوثيين والأحزاب المعارضة لنظام عبد ربه منصور لم تحقق أهدافها، بل شكّلت مأزقاً للسعودية ودول الخليج، الأمر الذي أحرجهم ودفع بالأزمة اليمنية أن تأخذ طريقها نحو التسوية السياسية، رغم المعارضة السعودية لها، وما كان لهذا المسار أن ياخذ طريقه لولا بعض المعطيات، ومنها:

1- سيطرة الحوثيين على أغلب محافظات الشمال، بعد أن كان وجودهم محصوراً في صعدة، ودخولهم إلى مناطق الحدود السعودية في نجران وجيزان وعسير، إضافة إلى قدرتهم على قصف العمق السعودي.

2- تصدُّع العلاقة بين السعودية والإمارات، بسبب مطامع كل منهما في اليمن، ولعدم رضا الإمارات على سياسة السعودية باحتضان "حركة التجمع اليمني للإصلاح" (إخوان مسلمون).

3- ظهور السلاح الاستراتيجي الذي استعمله الحوثيون في تدمير الدبابات والبوارج الحربية التي كانت تشارك في القتال، والذي كان له دور فاعل في تغيير موازين القوى في المعركة.

4- دعوة المؤسسات الإنسانية في المجتمع الدولي إلى وقف هذه الحرب ضد الإنسانية، والطلب من أميركا عدم تزويد السعودية بالسلاح.

5- تمدُّد نفوذ "داعش" في العديد من مناطق تعز وعدن، وإقدامها على اغتيال شخصيات تابعة للرئيس المستقيل عبد ربه، منهم محافظ عدن وحضرموت، والقيام بالعديد من العمليات الانتحارية، والمواجهة العسكرية ضد القوات المحسوبة على السعودية، وتمدد "القاعدة" في مناطق اليمن الجنوبي، وإضعاف نفوذ السعودية فيها.

6- الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها السعودية بسبب انخفاض سعر النفظ من 120 دولاراً للبرميل إلى 40 دولاراً، والحرب على اليمن عبر إنفاقها ما يزيد عن 72 مليار دولار، والأمور آخذة بازدياد، وقد أفادت تقارير صندوق النقد الدولي أن هذا العجز هو أكبر عجز يسجّله الاقتصاد السعودي منذ 10سنوات، لأن مدخرات البنك المركزي السعودي تراجعت بنسبة 10 بالمئة، أي ما يساوي 70 مليار دولار قياسا مع العام الماضي. إضافة إلى مسألة في غاية الخطورة، تتعلق بسحبها ما يقارب 70 مليار دولار من الصندوق السيادي، والبالغ 737 مليار دولار (معلومات شركة "إنسايت ديسكفري" للخدمات المالية ).

أدركت أميركا أن الإستمرار في هذه الحرب فيه خسارة لدول التحالف، وستكون له انعكاسات سلبية على أمن السعودية، وسيؤثر على الوضع السياسي فيها، بسبب الاختلاف في وجهات نظر الأمراء حول جدوى هذه الحرب، وكذلك على المنطقة، نظراً إلى الأهمية الاقتصادية لليمن، لكونه ممراً للتجارة العالمية عبر باب المندب، وللحد من زيادة نفوذ إيران وروسيا في اليمن، لذلك زادت أميركا من ضغطها على السعودية للقبول بالمفاوضات، وقد وافقت الأخيرة على المشاركة فيها في 15 كانون الأول في جنيف وليس في الرياض، على أن يبدأ معها وقف إطلاق النار، على عكس ما كانت تشتهيه السعودية من مقدمات لهذا الاجتماع.

ترافقت مع هذه الخطوة دعوة مجلس الأمن للاجتماع بتاريخ 22 كانون الأول في جلسة علنية لمناقشة ملف اليمن بشكل جدي، إضافة إلى تبني مجلس التعاون للحل السياسي في اليمن على أساس قرار مجلس الامن 2216، واستعداده لإعادة إعمار اليمن بعد التوصُّل إلى تسوية.

هذه المعطيات تدل على أن ظروف التسوية في اليمن قد أصبحت ناضجة، لكن في الوقت نفسه لا نستطيع الجزم بأن نتائج المفاوضات ستكون إيجابية، بسبب تعقيدات هذه الأزمة، ووجود تفاصيل كثيرة تحتاج إلى نقاش مستفيض، والجميع يعلم أن "الشيطان يكمن في التفاصيل".