على الرغم من المحاولات المتعددة التي تقوم بها السعودية، من أجل فرض عودتها على الساحة الإقليمية بشكل أقوى، لا تزال تصطدم بعقبات تنقلها من مأزق إلى آخر، الأمر الذي يفرض طرح علامات إستفهام حول قدرتها على الحفاظ على ما تبقى لها من موقع، لا سيما في ظل تنامي نفوذ قوى أخرى ساعية إلى الجلوس مكانها، بعضها خصم وبعضها الآخر حليف، بالتزامن مع إنتشار الجماعات المتطرفة، الراغبة في طرح نفسها بديلاً قادراً على تحقيق إنتصارات تدغدغ مشاعر العامة، في وقت يرتفع فيه منسوب التوتر المذهبي على نحو غير مسبوق.

في هذا السياق، كانت واضحة الرغبة السعودية، في الفترة الأخيرة، في تحقيق شيء ما، إنطلاقاً من ​الحرب اليمنية​ بعد أن وضعت الإنتصار فيها على رأس قائمة أهدافها، ومن ثم عبر التشدد في موقفها في ​الأزمة السورية​، إلا أن الخطوة الأبرز تبقى بالإعلان عن تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب، لكن المؤشرات حتى الآن لا تبشر بالخير، حيث تشير إلى أن سياسة الرياض الخارجية لا تزال تدور في حلقة مفرغة، ليس من السهل الخروج منها في وقت قريب.

تعود مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، في قراءة واقع الدور السعودي على المستوى الإقليمي، إلى الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية في ​إيران​ والدول الكبرى، حيث تعتبر أنه كان الإنتكاسة الأولى التي لم تستطع الرياض الخروج منها حتى الآن، بعد أن عملت طوال السنوات السابقة على الوقوف بوجه السياسات الإيرانية، في أغلب الساحات العربية والإسلامية، لا بل حتى الوصول إلى مرحلة تعتبر فيها أن التهديد الأساس لها في طهران لا في تل أبيب، وتضيف: "من هنا يمكن فهم جميع الخطوات اللاحقة التي قامت بها المملكة، والتي كان عنوانها البحث عن الحفاظ على الصورة السابقة، القائمة على زعامة العالمين العربي والإسلامي من دون منازع، في ظل تحولات كبرى تحتاج مواكبتها إلى جهود كبيرة ترتكز إلى خبرة طويلة في الميادين الدبلوماسية والعسكرية".

بالنسبة إلى هذه المصادر، كان إعلان الحرب على حركة "​أنصار الله​" اليمنية وقوات الرئيس السابق ​علي عبدالله صالح​ التحدي الأول، لكن الرياض فشلت في تحقيق الأهداف التي وضعتها منذ البداية، رغم الجهود التي قامت بها على هذا الصعيد، ما فرض الدعوة إلى الحوار في سويسرا، الذي من المرجح أن يؤدي، في حال نجاحه، إلى معادلة لا غالب ولا مغلوب، في حين كانت السعودية تسعى إلى تأكيد سيطرتها الكاملة على الدولة التي تعتبرها ضمن حديقتها الخلفية.

في ظل هذا المأزق الخطير، سعت المملكة إلى التوسع في طموحها عبر محاولة الإلتفاف على ​مؤتمر فيينا​ الثاني، المخصص لبحث الأزمة السورية، من خلال رفع سقف شروطها عالياً، فكان ​مؤتمر الرياض​، الذي تشدد المصادر نفسها على أنه تجاوز التفويض المعطى لمبعوث الأمم المتحدة ​ستيفان دي ميستورا​، عبر دعوة الفصائل والقوى السياسية والعسكرية المعارضة إلى إجتماع لتأليف وفد مهمته التفاوض مع ​الحكومة السورية​، لكن النتائج حتى الآن ليست كما تشتهي سفنها، لا سيما في ظل الإعتراضات عليه من قبل قوى إقليمية ودولية فاعلة.

من وجهة نظر المصادر المراقبة، الإنسحابات من المؤتمر هي الأزمة الكبرى، فهي لم تتوقف عند القوى التي رفضت المشاركة منذ البداية، بل شملت أيضاً أخرى شاركت لكنها رفضت التوقيع، مثل حركة "​أحرار الشام​"، لتنضم إليها يوم أمس قوى وقعت لكنها تبحث الإنسحاب عبر التنصل من الإلتزامات، مثل "​جيش الإسلام​"، المدعوم بشكل مباشر من الجانب السعودي.

في ظل هذه الأوضاع، جاء الإعلان عن ​التحالف الإسلامي​ العسكري بزعامة الرياض بصورة مفاجئة، لكنه تلقى سريعاً العديد من الضربات المعنوية ذات العيار الثقيل، بحسب ما تشدد المصادر نفسها، حيث تبين أنه ليس بالجدية التي من المفترض أن تبنى فيها التحالفات بين الدول، خصوصاً بعد أن أعلنت دولاً مشاركة أنها ليست على علم به، لا بل أن بعض الأعضاء رفضوا القيام بأي دور، ليكون موقف أنقرة هو الأبرز عبر التأكيد بأن ليس هناك من خطط لإنشاء قوة عسكرية تركية في إطار هذا التحالف، مع العلم أنه لم يشمل أصلاً قوى يعتبر حضورها أكثر من ضروري.

إنطلاقاً من ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن ما تقدم يعكس حالة الفوضى التي تمر بها المملكة، من دون أن تكون لدى قيادتها القدرة على تدارك الأمر، لا بل هي تواجه بالتزامن مع ذلك العديد من الإتهامات بدعم المنظمات الإرهابية، ليس فقط من قبل خصومها التاريخيين، بل من قبل البلدان الأوروبية والغربية التي تعتبر حليفة لها، وتلفت إلى ما يتم تناوله داخلها ما يدل على وجود أزمة حقيقية ينبغي العمل على معالجتها سريعاً، في وقت تواجه فيه تنافساً على الدور في العالمين العربي والإسلامي، حيث تجد الدور الإيراني، الذي بات مقبولاً من قبل القوى الدولية البارزة، بالإضافة إلى الدور التركي، الذي يسعى إلى أخذ مركز الزعامة منها، مستفيداً من حالة التعاطف الجماهيري معه، الأمر الذي ظهر في الدعوة إلى نقل تنظيم مراسم الحج إلى ​منظمة التعاون الإسلامي​ بعد حادثة منى، في حين تعتبر الرياض الأمر من الخطوط الحمراء.

كل هذه التحديات لا يمكن أن تنفصل عن أخرى، تواجهها السعودية على الصعيد الداخلي، سواء بسبب الصراع بين أفراد الأسرة الحاكمة أو بسبب تنامي حضور الجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى التهديدات التي تمثلها بعض التنظيمات الإرهابية، في ظل عجز واضح عن المعالجة، فالرياض لم تقدم حتى الساعة إلا على التشبث في مواقفها السابقة، من دون أن تملك القدرة على التراجع خطوة إلى الوراء، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول مستقبل الأوضاع في المملكة، فكيف ستحافظ على دورها الإقليمي والإسلامي في ظل الفوضى القائمة؟ وهل تنجح في تجاوز التحديات المتعددة أم تغرق في مأزق جديدة؟