يعود ​عيد الميلاد​ سنة بعد سنة ليبعث في قلبنا نفحة رجاء وأمل. يعود هذه السنة وفي قلبنا حزن وفي عقلنا هموم وفي نفسنا كآبة وفي حياتنا غربة. يعود الميلاد هذه السّنة وفي قلوبنا غصّة. نلتفت حولنا فلا نرى إلاّ حروب، قتلٌ من هنا وقصفٌ من هناك، سرقةٌ من هنا وإغتصاب من هناك. إحتلالٌ وتهجيرٌ وخوفٌ من مستقبل مجهول مليء بالشكوك والإنتظار.

أين مسيحنا هذه السّنة؟ تأخّر قدومه، ألن يأتي؟ أيولد طفلنا هذه السّنة؟ هل ما زال يذكرنا أم أنّه نسينا عندما نسيناه؟ كيف لطفلٍ بريء أن يولد في قلب عالمٍ ينتظر مولده ليقتله؟

ألفان وخمس عشرة سنة مرّت على ذلك اليوم المجيد.

ألفان وخمس عشرة سنة مرّت على إبتداء التاريخ وإنطلاقته.

ألفان وخمس عشرة سنة مرّت على إخلاء الرّب لذاته وتجسّده طفلاً بيننا.

ألفان وخمس عشرة سنة مرّت على أعظم فعل تواضع عرفته البشريّة: إبن الله مولودًا في مذود.

من تكلّم عنه الأنبياء أصبح هنا.

الملك إبن داود الذي سيعيد المُلك لإسرائيل لم يجد له مأوى.

بيت لحم التي تغنّى بها النبيّ ميخا أنّ منها سيولد المسيح"لكن يا بيت لحم أفراتة،صغرى مدن يهوذا،منك يخرج لي سيد على بني إسرائيل يكون منذ القديم،منذ أيام الأزل "ها هي اليوم ترفضه.

ميلاد هذه السّنة ممّيز. ميلاد هذه السّنة غير كلّ السنين. ميلاد هذه السّنة يذكّرني بميلاد يسوع منذ 2015 سنة. يومها كانت الأرض محتلّة والحروب مشتعلة واليوم كذلك. يومها كان النّاس عطاش الى الخلاص والحريّة واليوم أيضًا. يومها كان الشعب ينتظر القائد واليوم أيضًا. يومها كان الظلم يسيطر واليوم أيضًا. يومها كانت الإهتمامات الأرضيّة تشغل بال النّاس واليوم أيضًا. يومها كان الشعب معتقدًا أنّ الله نساه وتخلّى عنه واليوم أيضًا.

في ظلمة ذلك الزمان أشرق نجمٌ في سماء بيت لحم. نجمٌ دلّ على بدء عهدٍ جديد كذلك الذي بيّنه القوس الذي ظهر في سماء نوح. نجمٌ أنار درب السّاكنين في الظلمة وجعل العميان يبصرون.

في ضجيج ذلك الزمان ظهر جوقٌ من الملائكة يسبّحون الله ويمجّدونه. ملائكة طهر وسلام جاءت تحمل الينا البشرى بتحقق نبوءة أشعيا "ها إن العذراء تحمل وتلد إبنًا ويدعى إسمه عمانوئيل"( أشعياء 14:7).

ملائكة يؤكّدون ما بشّر به زميلهم جبرائيل قبل تسعة أشهر. في خوف تلك الليلة ترك رعاة بيوتهم الدافئة ومخابئهم الآمنة وأتوا يعاينون مجد الله المولود طفلاً.

ملوكٌ ومجوسٌ تركوا عروشهم ومملكاتهم وعانوا مشقّات السفر ليقدّموا الطاعة والولاء لطفلٍ فقيرٍ مولود في مذود بين الحيوانات.

أبٌ وأمٌّ بتولان يهتمّان بإبن الله. أبٌ وأمٌّ يتأمّلان بما يحدث دون أن يفهما.

ما أعظم قدرتك يا يسوع، وأنت طفلٌ جمعت الكون حولك. منذ ولادتك وأنت تستقطب الكلّ حولك. ملوكٌ ورعاة، أغنياء وفقراء، ملائكة وقدّيسون، نجوم وكواكب، طبيعة وحيوانات، كلّهم أتوا ليروا مجد الله ويعانوا قدرة عظمتك.

يا طفل المغارة، نحن نعيش اليوم في زمن يشبه زمنك. أنتَ الذي عشت حياتنا منذ 2015 سنة ندعوك لتعيشه معنا اليوم.

نحن بأمسّ الحاجة لنشعر بوجودك قربنا.

نحن بحاجة لنعيش طفولتنا معك من جديد.

نحن بحاجة لجرأة الرعيان بالمناظرة والمجيء اليك.

نحن بحاجة لمثابرة المجوس وتواضعهم لنجتاز كلّ تلك المسافات التي تفصلنا عنك.

نحن بحاجة لإيمان يوسف ومريم بتقبّل مشيئة الرّب في حياتنا بالرّغم من صعوبتها.

يا طفل المغارة،يا ابن داود، يا مسيحنا المنتظر، نسألك بحق ميلادك وبشفاعة والدتك الكلية الطهارة والقديس يوسف صفيك أن تعطينا نعمة اﻻيمان فنصرخ بأعلى صوت " قد أتانا اليوم فادي فافرحوا يا مؤمنين".