نقطة الإرتكاز الاساسية لكل إيقونة هي كلمة الله، رسالته إلينا وحضوره المنظور بيننا. الأيقونة هي إنجيلٌ مُصّور تجذب أعيننا وتدعونا الى التأمل والصلاة. الأيقونة هي النافذة التي نطل من خلالها على السماء، هي العون الروحي لكل مؤمن تساعده على الإرتقاء نحو العلاء، والغوص في العالم اللامنظور، يُحاكي بها ومن خلالها أهل السماء ويعمل على الإقتداء بهم في مسيرته الروحية.

لكل زمنٍ طقسيّ كما ولكل عيد في الكنيسة الشرقية أيقونتها الخاصة تشرح للمؤمنين حدث الخلاص ورسالة الربّ لشعبه. وها نحن اليوم في زمن الميلاد أمام إيقونة ميلاد السيد المسيح نقرأ الحدث كما ورد في الكتاب المقدس. فالأيقونة لا يكتبها الإنسان بإيحاء خاص وحرّ من قِبَله، بل ينهل عناصرها وتأليفها كما جاءت في النصوص الكتابية، لتصبح إنجيل الميلاد مُصوّر بالخط واللون.

إذا عُدنا الى عناصر الأيقونة، نجد أن كل قطعة منها لها صداها في الكتاب المقدّس، ولكننا لن نورد النصوص الحرفيّة الخاصة بهذا الحدث بل سنكتفي بقراءة روحية لها مع بعض المحطات الكتابية.

الدائرة الإلهية(1)

إن صورة النور المثّلث الأشعة الذي نشاهده ينحدر من اعلى الأيقونة حيث الدائرة الإلهية، يرمز الى حضور الله. هذا الشعاع ينحدر من السماء وينقسم الى ثلاثة أجزاء ممثلاً الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس. إنحدار هذا الشعاع نجد فيه جواب السماء على نداء وصرخة الشعب في العهد القديم -"ليتك تشق السماوات وتنزل"(أشعيا 1:64)- يوم كان يعيش الظلم والإضطهاد ويشعر بغياب الله من وسطهم: "إن الله في السماء ونحن البشر على الأرض"(سفر الحكمة: 1:5).

المسيح(2)

نرى المسيح في وسط الأيقونة، هو محور الحدث ونقطة الإرتكاز، مُقَمَّط ومضجع في المذود، هذه كانت العلامة التي أعطاها الملاك للرعاة ليتعرفوا بها على المخلص: "إنكم تجدون طفلاً مُقمطاً مضجعاً في مذود"(لوقا 13:2)، ملفوف بأقمطة على شكل لفائف الأكفان، وموضوع في مذود كأنه مُسَجّى في القبر، إننا منذ الآن أمام رجل الأوجاع المتمرّس بالعاهات كما تنبّأ عنه اشعيا قديماً. الميلاد او حدث التجسد، ليس هو المحطّة ولا الهدف النهائي لمشروع الله الخلاصي، الميلاد ليس سوى نقطة الإنطلاق لسر الفداء وذبيحة الموت على الصليب. السواد في عمق المغارة يرمز الى الجحيم في إشارة الى أن المسيح جاء ينتصر على الموت بالموت: "وُلدَ المسيح في ظل الموت مولده يُحني السماوات حتى الجحيم"(صلاة الليتورجيا)

مريم العذراء(3)

تحتل مريم القسم الأكبر من الإيقونة وذلك دليل على أهمية دورها في التدبير الخلاصي. رداؤها ارجواني اللون رمز المُلك، إنها ملكة السماء والأرض الجالسة عن يمين يسوع المسيح. مستلقية بشكل حبة قمح لانها وهبت البشرية خبز الحياة. نراها مستلقية دليل إنها إمراة حقيقية موضوعة في إطار اللون الأحمر، ليذكرنا بلون الأمومة والاحشاء. يُزين رداؤها ثلاثة نجوم رمز بتوليتها قبل وأثناء وبعد الولادة، وذلك على ما ورد على لسان أشعيا النبي "ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا يُدعى اسمه عمانوئيل". نظراتها حزينة، هي إشارة الى تطلّعها الى آلام المسيح وصلبه وموته، مما يذكرنا بقول سمعان الشيخ عند تقديم يسوع الى الهيكل "وانتِ ايضاً سيجوز سيف في قلبك". تنظر الينا لا الى طفلها فهي تعرف أن ابنها ليس لها، تُشير اليه لتذكرنا بكلماتها في عرس قانا الجليل: "إفعلوا ما يأمركم به" وتدعو كل واحد منا لكي يلد المسيح بطريقة ما ويعطيه للعالم.

الحيوانات في المغارة(4)

إشارة الى أن الطبيعة بكل مخلوقاتها تستقبل المخلّص. كما ترمز الى نبوءة اشعيا في العهد القديم يوم أشار الى نكران الشعب ورفضه الخلاص الآتي: "الثور عرف مالكه والحمار صاحبه، لكن اسرائيل لم يعرف وشعبي لم يفهم".

يوسف(5)

الى يسار الأيقونة نرى يوسف يجلس في حال من القلق والإضطراب، لباسه من لون الأرض، لون الشكّ والحيرة. ماذا أرى؟ يسأل نفسه امام هذا الحدث الكبير. أمامه يقف الشيطان المجرِّب بشكل راعٍ يحمل غصنا يابسًا يهمس في داخله بإستحالة أن تحبل العذراء وتلد طفلاً دون تدخل رجل. بعض الكتب المنحولة تورد كلام المجرِّب: "كما أن هذه العصا اليابسة في يدي لا تستطيع أن تحمل ثمرًا، كذلك شيخٌ مُسنٌ مثلك لا يقدر أن يُنجب بنين وفتاةٌ عذراء لا تلد"! فيتابع النص أن العصا أورقت للحال، دليلٌ على قدرة الخالق في تغيير سُنن الطبيعة ساعة يشاء.

يوسف يمثل البشر في شَكِّهم، لكنه في الوقت ذاته هو رجل الإيمان، فقد بدّد الملاك شكه: "لا تخف يا يوسف أن تأخذ مريم إمرأتك الى بيتك، لأن المولود منها هو ابن الله". إظهار يوسف شيخًا يرمز الى أنه لم يتزوج من العذراء لينجب منها، بل خَطَبَها لِيَحْفَظَ سمعتها امام الّذين لن يفهموا عمل الله الخلاصي في البشر.

المجوس(6)

هم ثلاثة ملوك جاؤوا من المشرق يقودهم نجم يستدلّون به الطريق الى حيث وُلد المسيح الملك المنتظر. الوان أحصنتهم ترمز الى القارات الثلاث المعروفة في ذلك الوقت: الحصان الأسود رمز القارة الإفريقية، الحصان الأحمر رمز القارة الأسيوية والحصان الأبيض رمز القارّة الاوروبية. أعمار الملوك المتفاوتة: شاب، رجل وشيخ، ترمز الى الاجيال كلها، فهم يمثلون البشرية جمعاء جاءت تسجد للملك المنتظر. فالخلاص الآتي خلاصٌ شمولي لا يُفرّق بين الجنس والعرق واللون. هداياهم كانت الذهب لان يسوع المسيح هو ملك، البخور لأنه إله والمرّ لانه خالد.

يلفت انتباهنا في بعض الأيقونات، أن المجوس واقفون بعيون كبيرة مُحدقة، وهذا دليل أنهم أناس تعبوا من التفتيش والسهر كي يصلوا الى الحقيقة التي يبحثون عنها. إن الله لا يرذل أحدًا يحاول التقرب منه، فهم رغم مكانتهم وغناهم كملوك، ما برحوا يشعرون بالعطش والحاجة الى حقيقة لم يجدوها في اموالهم وكنوزهم وسلطانهم، فتركوا بلادهم منقادين بعلامة النجم حتى باب المغارة.

الملائكة(7)

في أعلى الأيقونة نرى رهطاً من الملائكة تنشد التسابيح والتماجيد المتواصلة لخالق السماء والأرض لكونه إنحنى على البشر برحمته وحبه الكبيرين. انهم ملائكة التسبيح تنشد ليتورجية السماء: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة". عن يمين الأيقونة نرى ملاكًا يُشير الى أحد الرعيان بإصبعه وكأنه في حوار معه. في العهد القديم كان موسى قائد الشعب المختار يصعد الى الجبل ليخاطب الله وينقل منه رسالة الى شعبه، كان يُغطِّي رأسه من وهج بهاء الله وقدرته. وهنا في هذه الحركة من يد الملاك، وكأننا به يقول له: "إنزل حالًا ولا تصعد مجددا الى الجبل مغطىّ الوجه والرأس، لأن الله نفسه كشف عن وجهه بإبنه الوحيد ونزل اليكم ليعيش معكم بينكم ويقودكم الى الخلاص".

الرعاة(8)

هم صورة عن يسوع المسيح الراعي الصالح الآتي لخلاص الخراف الضالة. ويذكر لنا إنجيل لوقا وجودهم في العراء يسهرون على قطعانهم ساعة ظهر لهم الملاك ليبشّرهم بولادة مخلّص هو المسيح الرب.

المعمودية(9)

مشهد الغسل في إيقونة الميلاد، يرمز اولاً الى الطبيعة البشرية ليسوع هو بحاجة الينا، على عكس وجوده وحيدا في المغارة حيث المسيح بطبيعته الإلهية. كما يرمز الى معمودية يسوع في الاردن والى معموديتنا كمسيحيين، اي ولادة الإنسان الجديد فينا: "انتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم هللويا".

(1)الدائرة الإلهية والنجم

يو :1/1 في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.

أشعيا: 63/19 ليتك تشقُّ السماوات وتنزل فتميد الجبال من وجهك.

متى: 2/10 فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا.

يو: 1/14 والكلمة صار بشرًا وعاش بيننا.

(2)الشجرة

آشعيا : 11/1-2 يخرج فرعُ من جذع يسَّى وينمو غصن من اصوله، روح الرب ينزل عليه، روح الحكمة والفهم والمشورة روح القوة والمعرفة والتقوى.

تكوين: 2/9 وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة حسنة المنظر، طيبة المأكل، وكانت شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر في وسط الجنة.

(3)العذراء

آشعيا: 7/14 ولكن السيد الرب نفسه يُعطيكم هذه الآية:" ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل"

غلاطية: 4/4 فلما تمّ الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأةٍ وعاش في حكم الشريعة.

لوقا: 2/6-7 وبينما هما في بيت لحم، جاء وقتها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطتهُ وأضجعته في مذود، لأنه كان لا محل لهما في الفندق.

(4)المغارة-المذود

أشعيا: 1/3 الثور يعرف مُقتَنيه والحمار معلف صاحبه، أما بنو اسرائيل فلا يعرفون وشعبي لا يفهم شيئًا.

لوقا: 2/7 فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في مذود لانه كان لا محل لهما في الفندق.

لوقا: 2/12 واليكم هذه العلامة: "تجدون طفلاً مقمطًا مضجعًا في مذود".

(5)يوسف

متى : 1/18-25 وهذه سيرة ميلاد يسوع المسيح: كانت أُمه مخطوبة ليوسف، فتبين قبل أن تسكن معه أنها حبلى من الروح القدس. وكان يوسف رجلا صالحًا فما أراد أن يكشف أمرها، فعزم على أن يتركها سرًا. وبينما هو يفكر في هذا الأمر، ظهر له ملاك الرب في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داوود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأة لك. فهي حُبلى من الروح القدس، وستلد ابنا تسميه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم...

(6)المجوس

متى: 2/1-2 وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: "أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ".

متى: 2/11 ودخلوا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَركعوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا.

أشعيا: 60/3-4 فتسير الأمم في نوركِ والملوك في ضياء إشراقكِ، تطّلعي وانظري حولك جميعهم قادمون اليكِ.

(7)الملائكة

لوقا: 2/13-14 وظهر مع الملاك بغتة جمهور من جند السماء، يسبحون الله ويقولون: المجد لله في العلى، وفي الأرض السلام وبالناس المسرة.

(8)الرعاة

لو: 2/9-12وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ.

لو: 2/8 وكان في تلك الناحية رُعاةٌ يبيتون في البرية يتناوبون السهر على رعيتهم.

(9)المعمودية

رومة: 6/3-11 ألا تعلمون أننا حين تعمدنا لنتحد بالمسيح يسوع تعمدنا لنموت معه، فدفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته، حتى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضًا في حياة جديدة؟ فإذا كنا اتحدنا به في موت يُشبه موته، فكذلك نتحد به في قيامته. ونحن نعلم أن الإنسان القديم فينا صُلب مع المسيح حتى يزول سلطان الخطيئة في جسدنا، فلا نبقى عبيدًا للخطيئة، لأن الذي مات تحرر من الخطيئة، فإذا كنا متنا مع المسيح، فنحن نؤمن بأننا سنحيا معه. ونعلم أن المسيح بعدما أقامه الله من بين الأموات لن يموت ثانية ولن يكون للموت سلطان عليه، لأنه بموته مات عن الخطيئة مرة واحدة، وفي حياته يحيا لله، فاحسبوا أنتم ايضا انكم اموات عن الخطيئة أحياء لله في المسيح يسوع ربنا.