سبق عملية تصفية ​زهران علوش​ محاولات غربية لتسويقه مع مسلّحيه، كفصيل معتدل، ترافق ذلك على موافقته على الإشتراك في مؤتمر المعارضة الأخير في الرياض. فكيف تم ذلك؟

إنتقل زهران علوش وفصيله المسمى "​جيش الإسلام​" إلى الضوء فجأة رغم الستاتيكو الثابت نسبياً على جبهات الغوطة الدمشقية، قياساً إلى الجبهات المشتعلة في ريفي حمص وحلب، وشمال شرق اللاذقية.

فقد أجرى لقاءات غير معتادة مع الصحافة الأجنبية بدت تسابق ​مؤتمر الرياض​، لتبرير ضم جماعته الى المعارضة السورية، ليس ذلك فحسب بل أنّ زهران علوش كان القوة العسكرية الوحيدة التي لها ثقل حقيقي في الميدان، خصوصًا بعد إستبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن المؤتمر، وبالتالي كان سيقطف ثمار أي إتفاق تقاسم سلطة مع النظام، فيما لو إستكملت عملية تصفية "داعش" و"​جبهة النصرة​".

رغم أن اللقاءات الصحفية المذكورة حاولت التركيز على محاربة علوش لـ"داعش" وطردها من الغوطة، وإنتزعت منه تصريحات غريبة عن ثقافته الإستئصالية، الا أن استعراضًا بسيطًا لمواقفه الثابتة يوضح ببساطة محاولة تبييض صفحته، تمهيداً لتسويقه كشخصية معتدلة.

في مقابلته مع جريدة "الديلي ميل" تم تقديمه كالتالي: "إن علوش يعتنق نسقاً معتدلاً من الإسلام، وعلى تعارض مع داعش والقاعدة. لكنه رفض الديمقراطية ودعا إلى قتل الشيعة والعلويين" وهذا الكلام يستعصي على الفهم من أي وجه كان، ولن يستطيع أبلغ البلغاء تفسير التناقض الوارد فيه. فكيف يتسق الإعتدال مع الدعوة إلى ابادة طوائف بأسرها؟

أما جريدة "الدايلي بيست" الأميركية، فقد أوفدت مراسلتها المعارضة السورية المسيحية هديل عويس التي سجنت في بداية الأحداث لمشاركتها في تنظيم التظاهرات. وفي هذه المقابلة ينسلخ علوش من جلده تماماً، ليتقرب من المحور الأميركي-الإسرائيلي، حيث يجيب على سؤال عن نظرته إلى دور الولايات المتحدة، فيجيب بدعوتها للتوقف عن تسويق المعارضة السورية في الخارج ودعم الثوار الحقيقيين على الأرض، في دعوة مباشرة للتدخل إلى جانب المعارضة. أما الموقف من إسرائيل فينسخ جواباً حرفياً كان قد أجاب به مرشد الإخوان السوريين علي البيانوني في مقابلة تلفزيونية: "هذه القضايا تختص بها السياسة الخارجية للدولة المرتقبة بعد اسقاط النظام"، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على هامشيّة القضية الفلسطينية على اجندة الحركات الاسلامية السلفية. ولا يمانعون من مهادنة ومسالمة عدو "الأمة" في سبيل تصفية خصومهم المسلمين المختلفين عنهم مذهبياً.

ولدى سؤاله عن موقفه من اعمال العنف التي تستهدف الغرب، يرتدي مجدداً ثوب الحمل الوديع ويقول: "نحن ندين كل اعمال العنف التي تستهدف الآمنين والأبرياء دون مبرر في كل دول العالم"، هو نفسه الذي ما يزال يحتجز عوائل بأسرها بسبب إنتمائها المذهبي ووضع بعضهم في اقفاص مؤخراً محاكياً ثقافة "داعش" التي يدّعي قتالها.

وبعد إكتمال سلسلة التطمينات، يصبح لا بدّ من توضيح تمايز "جيش الإسلام" عن "داعش" و"القاعدة"، وبعد ان يشرح كيف طرد "داعش" من الغوطة وساعد في قتالها في اماكن اخرى، واعتبرها صنيعة النظام، اتى دور "جبهة النصرة"، التي تمثل جناح "القاعدة" في سوريا. فسئل عن تصريح سابق له بأن شرعييه لا يختلفون عن شرعيي "جبهة النصرة"، فأجاب إجابة صبيانية أوقعته في محذورات عقائدية، فقال إن هذا التصريح صدر أيام كان شرعي "النصرة" ​أبو ماريا القحطاني​ الذي تتوافق طروحاته مع طروحات شرعيي "جيش الإسلام"، "ثم عزلته الجبهة ووضعت عوضاً عنه شرعيين نتباين معهم في كتير من المسائل الفكرية والعقدية"، فجعل الفكر والعقيدة التي تحكم الأمة رهناً بالمواصفات الشخصية للقاضي الشرعي. وهذا إن دل فإنما على مدى سطحية تفكير زهران علوش الذي لا يختلف خطابه عن أي إخواني متحمس ما زال يعيش وهم استعادة الخلافة البائدة.

هذا هو زهران الأميركي الذي يُراد تسويقه، أما زهران الحقيقي فهو الذي ما زالت خطبه النارية منشورة على وسائل الإعلام، وواضح فيها تركيزه على محاربة عدو واحد وهو: الشيعة. بل انه يستعيد التاريخ الفتنوي بأبشع صوره، فيعمد الى تصوير خطبة له من أطلال قصر هشام بن عبد الملك، يدافع فيها عن دولة بني أميّة ويهاجم الشيعة بقوة كعادته، ويتوعد بأن دولة بني أميّة ستعود وتقضي عليهم في بلاد الشام. كما يكرر المعزوفة السلفيّة عن مسؤولية الشيعة عن تمكين المغول والتتار من الخلافة الإسلامية، مع أنّهم زمن سقوط بغداد كانوا اقليّة مضطهدة لا تذكر، ولا حول لهم ولا قوة، فيعلقون الكارثة برقبة وزير الخليفة إبن العلقمي فيتهمونه بالتشيع، ولا يفسرون كيف يمكن لخليفة الإسلام أن يعين وزيراً شيعياً في بلاطه. وإن كان ابن العلقمي اسقط بغداد فمن اسقط عشرات المدن والبلاد في غزو المغول الذي وصل الى فيينا؟ زهران نفسه هذا الذي طالب قبل أسطر قليلة بتدخل أميركي الى جانبه، يتهم الشيعة ظلماً بإستحضار المغول والتتار الى بلاد المسلمين.

كما أنه يتناقض بتبنيه الدولة الأموية مع الحديث المشهور الذي يرفعه سلفيو عصرنا لنسب خلافتهم إلى نبوءة منسوبة للنبي تصف دولة أمية بأنها ملكاً عضوضا مناقضاً للشرعية الإسلامية بقوله "الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً. ثم..." والملك العضوض كما لا يخفى هو توارث الحكم أبًّا عن جدّ، وهو ما يخالف مبدأ إختيار الخليفة بالشورى حسب العقيدة السنيّة.

لا يتوخى العاقل إقناع التكفيري، فالتكفير والتفكير لا يجتمعا في امرء عاقل. ولكن هذا العرض الذي تقدّم يعطي فكرة عن خلفية التجاذب الدولي الحاصل حول تصنيف المجموعات الإرهابية وضرورة التعاطي معها بجدية، لا التسطيح الذي تتناوله وسائل إعلام تهدف الى تعمية الحقائق لتمرير مشاريع" مسلوقة" على عجل.