لم تؤثّر برودة الطقس في بداية العام الجديد على الوضع السياسي في لبنان والمنطقة، بل على العكس تمامًا، حملت الساعات القليلة الماضية حماوة سياسية بالغة، انطلاقاً من علاقة المملكة العربية السعودية وايران، وصولا لعلاقة "حزب الله" و"تيار المستقبل".

فتحت السعودية باب "حرب التساؤلات" على مصراعيه، مع اعلانها تنفيذ حكم الاعدام بحق الشيخ السعودي المعارض نمر باقر النمر، ليكون "التنفيذ" بمثابة الصاعق الذي فجر الوضع بداية عبر التصاريح الرسمية الصادرة عن وزارتي الخارجية في ايران والسعودية، وصولا لاعلان وزير خارجية السعودية ​عادل الجبير​ عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران وترحيل البعثة الايرانية بعد ان أجلت السعودية بعثتها من ايران على خلفية الهجوم الذي تعرضت له سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد. أما في لبنان، كان إحياء ذكرى مرور اسبوع على رحيل الشيخ محمد خاتون مناسبة للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كي يعلن موقف الحزب من عملية اعدام النمر، وكما كان متوقعاً جاء خطابه قاسيًا عبر اعلانه "انتهاء زمن المجاملة والمداراة" مع السعودية، اذ لم يعد يوجد بحسب السيد أيّ مكان للحوار معها، فإعدام الشيخ النمر بحسب نصرالله جاء ليقول أن "النظام السعودي لا يعنيه لا عالم إسلامي ولا طوائف إسلامية ولا رأي عام إسلامي ولا رأي عام دولي ولا رأي عام عالمي، ومن يعارضه يُقتل".

في هذا الإطار، تشير مصادر مطلعة إلى أن خطاب السيد نصر الله رفع السقف عاليا بوجه النظام السعودي، ووجه اليه رسالة مفادها أنه أصبح عدوًا للحلف الذي ينتمي اليه "حزب الله"، ولا يمكن اعادة العلاقات معه الى ما كانت عليه سابقا، فالباب أقفل والمعركة أصبحت مكشوفة وسيتم وضع الاوراق على الطاولة. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "من المعلوم ان حزب الله لم يعد ذلك الحزب الذي تحدّه حدود لبنان، ولم تعد خطابات أمينه العام موجهة للداخل اللبناني ومعبرة عن وجهة نظر حزبه فقط، بل هي اصبحت جزءا من اللعبة الاقليمية الكبرى، وبالتالي فإن خطابه كان رسالة اقليمية للسعودية والحلف الذي يقف الى جانبها بأن المعركة اصبحت مفتوحة واعدام النمر لن يمر مرور الكرام بل ستكون له تداعيات كبيرة قد تتم في اليمن او سوريا أو البحرين او العراق او في لبنان حتى".

وصل صدى كلام نصر الله الى من يعنيهم الامر، فكان الرد "السعودي" على لسان رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الّذي أصبح "عرفا" يتكرر مع كل خطاب، ولم يخرج عن السياق الّذي أصبح معروفًا حيث جاء البيان ليرفع حدّة التوتر أيضًا، فـ"حزب الله" حسب الحريري يتصرف "وكأنه ينطلق من مرجعية سياسية زائفة، لإسقاط حدود السيادة الوطنية للدول القريبة والبعيدة". ولم تقتصر الأمور على كلام رئيس تيار "المستقبل" حتّى دخل على خط الهجوم الحديث البارز لوزير العدل اللواء اشرف ريفي الذي اعتبر ان "نصر الله مدان بارتكاب جرائم كبرى ومكانه الطبيعي في قفص الاتهام". وفي هذا السياق يشير مصدر قيادي في "تيار المستقبل" الى ان الحلول التي كانت تبحث في الاسابيع الأخيرة من العام الماضي قد تجمّدت، وعادت الامور الى نقطة الصفر، قائلاً: "عاد التعقيد الى كل المواضيع في المنطقة وبيروت، وان أي تصعيد أمني في لبنان سيكون بيد حزب الله وايران". ويضيف المصدر عبر "النشرة" أنه "علينا الانتظار لمعرفة الساحة التي يريد فيها حزب الله مواجهة السعودية"، مستبعدا لجوء الحزب راهنًا الى التفجير خصوصًا ان لبنان هو المستعمرة الاخيرة الباقية بيد الايرانيين.

ويتوقع المصدر ان ينظم "حزب الله" تحركات شعبية للاعتراض على اعدام الشيخ النمر، لأنّ الحزب ومعه ايران لن يستطيعا السكوت أمام حادثة كبيرة كهذه، وهما يريدان القول للشيعة ان الوضع لا يزال تحت سيطرتهما، ويؤكّد في نفس الوقت ان الحوار اليوم بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" هو حاجة وضرورة لتهدئة الاوضاع في لبنان.

رغم كل هذا السواد المحيط بالاوضاع اللبنانية، توقعت المصادر الاّ تصل الامور الى حد التصادم بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، مع ان التراشق السياسي سيبلغ مداه، وسيكون الاشتباك الخطابي العنيف سيّد الموقف، ولكن ذلك كله سيكون محكوما بعدم جرّ الامور الى المواجهة المذهبية في الشارع لان الفريقين يعلمان مدى غليان الجمهور، وبأن هفوة واحدة في هذا الاطار ستكلف غاليا، ولذلك فإن حوار "المستقبل" و"حزب الله" سيستمر لضمان الحد الادنى من "أمن الشارع".

ليست انتخابات رئاسة الجمهورية نتاج "غرام" لبناني، بل هي "ثمرة" التقاء مصالح بين دول اقليمية وغير اقليمية، وبالتالي ما كان يُطبخ من تسوية رئاسية بالامس لم يعد نافعا اليوم، فالتسوية حسب المصادر "طارت" وحل الرئاسة رحل الى أجل غير مسمى، أما الاستحقاق الاقرب لمعرفة "النوايا" سيكون "ملف تفعيل عمل الحكومة".