بعد ان استنفدت السعودية معظم سهام جعبتها ضد ايران خرج مراهق الحكم السعودي ليقول بأن « حربا بين ايران والسعودية ستكون كارثة على المنطقة و العالم و لذا لن يسمح بها» قول يمكن ان يخدع البسطاء او البلهاء ،

و يثير السخرية و الاستهزاء لدى العاديين من العقلاء المتتبعين للسياسة السعودية في سنوات الأخيرة التي شهدت انهيارا سعوديا أطاح بموقعها و فضائها الاستراتيجي و حملها على الانخراط المباشر في الحروب لاستعادة تلك المكانة الضائعة، وبخاصة منذ اندلاع الحريق العربي الذي كانت السعودية احد الاذرع الرئيسية في اضرامه و تمويل ارهابه ، و لذا لا نعتقد ان الادعاء السعودي اليوم بانه لا يريد الحرب مع ايران هو قول صدق و قدرة ، بل انه في الحقيقة قول يبتغي التنصل من المسؤولية عما آلت اليه الأمور بعد التصعيد الأخير بين البلدين و عما يمكن ان يحدث من ويلات ،وهو تصعيد تتحمل السعودية كما هو واضح النسبة العالية من المسؤولية فيه حتى يمكن القول بانها سبب المأساة بمعظمهما .‏

وان بحثا عن الحقيقة يقودنا الى الأيام الأولى التي اندلع فيها الحريق العربي ، حيث شهرت السعودية العداء لمحور المقاومة و زعمت انها تناصر الشعب السوري ضد قيادته الشرعية المنتخبة ، و تدخلت و مازالت في الشأن السوري بشكل يخالف كل قواعد القانون الدولي السياسي منها و العسكري والدبلوماسي , و راحت مدفوعة بحلم السيطرة و الهيمنة تستجيب لمتطلبات الاستراتيجية الأميركية بشأن المنطقة الاستراتيجية التي قامت على نظرية الاقواس الثلاثة ، التي خصت السعودية فيها بدور انشاء قوس «الإسلام الوهابي » بقيادتها على ان يضم دولا عربية و إسلامية من تلك التي تفرض عليها ظروف ذاتية الانصياع للأوامر الخارجية و الارتهان للمال السعودي ، قوس يقوم بمناصبة العداء لمحور المقاومة بعد ان يلصق به توصيف طائفي شيعي عداء ينقلب الى مواجهة ميدانية تشغل المحور و تريح إسرائيل، اما القوس الثالث فهو قوس الاخوان الذي يوكل اليه بقيادة تركية امر حماية إسرائيل و التطبيع معها تماما كما يسعى قوس الوهابية للتحالف معها .‏

لكن هذه الاستراتيجية فشلت في الميدان على يد سورية وحلفائها في محور المقاومة من جهة ومصر من جهة أخرى حال كل في مجاله دون قيام قوس الاخوان الذين تراجع دورهم وتأثيرهم الى الحد الذي دفع المشغل الخارجي (الأميركي) الى التركيز على القوس الوهابي بعد ان يضم اليه ما أمكن من فلول الاخوان بشكل مباشر او مقنع ثم يوكل لتركيا دور اخر يتلاءم مع وظيفتها الاطلسية.‏

وقد رأت السعودية وبدعم أميركي ان النجاح في المهمة هذه يتطلب خوض حروب إقليمية تقودها بنفسها حتى تمكنها من فرض اصطفاف عربي وإسلامي خلفها، حروب تستهدف محور المقاومة وحلفاءه مع التركيز على إيران التي تعتبرها السعودية راس المخاطر على احلامها وترى ان ابعادها عن المنطقة ومحاصرتها قوميا وإسلاميا شرط لا بد منه للوصول الى قيادة العرب والمسلمين.‏

لهذا بدأت السعودية وبرعاية أميركية باستدراج إيران الى الحرب عبر افخاخ تنصيبها لها بشكل متتالي. فكان أولا فخ البحرين مع دخول قوات سعودية لتواجه الثورة الشعبية السلمية فيها ، الثورة التي تزعم السعودية انها مدعومة لا بل مسيرة من ايران ، و لما لم ينجح الفخ نظرا لوعي ايران ، كان الفخ في سورية و العراق بدعم الإرهابيين فيهما لتمكينهم من الإطاحة بحليف ايران في سورية و تهديد الحدود الإيرانية الغربية ، و تعاملت ايران هنا أيضا بذكاء مفرط رغم الأدلة القائمة على مسؤولية السعودية عن الإرهاب في البلدين فإنها لم تنزلق الى مواجهة السعودية مباشرة، ثم كان فخ اليمن مع كل ما رافقه من وحشية و اجرام ارتكبته السعودية على ارض اليمن و كانت السعودية ومازالت تكرر بان ما تقوم به في اليمن موجه ضد ايران لمنع تمددها فيه .و أخفقت السعودية في عملية الاستدراج مرة اخرة .‏

ولما ضاق ذرع السعودية من الصبر والوعي والاستيعاب الإيراني، ضيق فاقمه وصول ايران الى الاتفاق الدولي حول ملفها النووي اعقبه متغيرات دولية ترجمت لاحقا في فيينا حيث استجيب للموقف الإيراني السوري المشترك من الازمة السورية ، عندها ارتكبت السعودية جريمة وحشية مركبة انتهكت فيها الشعائر الإسلامية و قدسية الحج بأماكنه ومناسكه كما انتهكت سلامة الحجاج وامنهم وحياتهم، ما ادى الى وفاة ما يزيد على أربعة الاف حاج نصفهم من الإيرانيين وفيهم سبعة من كبار الشخصيات في إيران، ومرة أخرى صبرت إيران ولم تستدرج الى المواجهة العسكرية مع السعودية.‏

واستمرت السعودية على إصرارها، فأقدمت على ارتكاب جريمة جديدة لتستفز إيران بها فقتلت الشيخ نمر النمر، وأعقبت ذلك بقصف مباشر على السفارة الإيرانية في صنعاء، أي انها قصفت حسب القانون الدولي ارضا إيرانية، وفي مواجهة الجريمتين استمرت إيران ملتزمة قواعد ضبط النفس وعدم الانزلاق الى ما تريده السعودية التي تستجدي الحرب مع إيران رغم علمها بأن إيران قادرة على حد قول طلال بن عبد العزيز بني سعود، «و في 24 ساعة على جعل السعودية تفقد كل ما لديها من بنى تحتية »، وتعود بها 100 عام الى الوراء. والسعودية تعلم ان إيران تعتبر اليوم القوة العسكرية الخامسة في العالم التي تملك قدرات دفاعية تامة وكافية لحمايه اقليمها وقدرات هجومية عالية مؤهلة لإيقاع أكبر الاضرار والخسائر بمن يواجهها حتى ان إسرائيل تتهيب الموقف وتمتنع عن المغامرة ضدها رغم سيل التهديدات التي أطلقتها ابان المفوضات حول الملف النووي الإيراني.‏

ان السعودية تعلم ويجب ان تعلم ذلك ومع هذا تصر على استفزاز إيران. فهل هو الحمق فقط ام هي المراهنات الخاطئة ام الوعود الأجنبية بالمساعدة؟‏

قد يكون كل ذلك او بعضه السبب في الصلف السعودي، نقول هذا رغم ان هناك أكثر من طرف له مصلحة في حرب سعودية مع إيران، خاصة وان أصحاب المصالح يذكرون ان حرب صدام على إيران أدت الى اشغال إيران 8 سنوات وفرضت عليها خسائر منعتها من استثمار سريع للثورة الاسلامية كما كان مخططا فضلا عن التدمير الهائل للبلدين.‏

فللأميركي مصلحة اقله بالتهويل بالحرب لان ذلك سيدفع السعودية الى الانفاق أكثر على الشأن العسكري والدفع أكثر لأميركا من اجل حمايتها على حد ما قال ترامب مؤخراً « ادفعوا المال نؤمن لكم الحماية ضد إيران ». ثم ان حربا مع إيران ستدفع السعودية الى الاستسلام أكثر الى إسرائيل وستدفعها الى تعاون استراتيجي عميق معها في مواجهة عدو مشترك.‏

اما على الصعيد الاستراتيجي فان حربا تندلع بين السعودية وإيران تكون بنظر السعودية عاملا يوقف تنفيذ الاتفاق النووي ويوقف التسوية السياسية في المنطقة التي همشت السعودية فيها وتدفع الى فرز حاد على أساس قومي ومذهبي ما يمكن السعودية من قيادة محور عربي ضد «إيران الفارسية» ومحور إسلامي وهابي ضد «محور شيعي» فتعوض بذلك سلسلة الفشل والتآكل التراكمي في مكانتها الاستراتيجية خاصة بعد فشل تحالفها العربي وركاكة تحالفها الإسلامي وعقم مجلس التعاون الاستراتيجي مع تركيا. كما ان الحرب قد تساعدها على تجاوز التصدع العائلي والصراع على السلطة وتغطية سرقة المال العام والتبذير الذي قاد الى شبه انهيار اقتصادي.‏

فالسعودية باتت تحتاج للحرب مع إيران لتحقيق كل تلك المصالح والأهداف وتريدها رغم الخسائر الفظيعة التي ستتسبب بها، تريدها متعامية عن النتائج المدمرة المتوقعة لان بني سعود بحقدهم وحمقهم ومسكونون بشهوة الملك والهيمنة يرتضون ذلك لأنهم يؤمنون ان حكما قام بالسيف لا يمكن ان يستمر الا بالسيف.‏

اما إيران التي ترى في الحرب شراً على العرب والمسلمين وكارثة على المنطقة وتحقيقاً لأهداف أعدائها فإنها ورغم قدراتها العسكرية الفائقة تستمر في اقفال الأبواب في وجه هذه الحرب لا عن عجز او خوف بل لحكمة وحرص وشجاعة في الصبر على المكروه من اجل الامة والمنطقة ولذا تستمر في مد يد التعاون مع العرب ونفي كل ما يشاع عن استعداد للحرب. فهل يغلب الجنون والجاهلية السعودية الوعي والإسلامية الإيرانية؟ حتى الان لا نعتقد ان جاهلية شارب بول البعير ستغلب اسلامية حائك السجاد.‏