أجمع المراقبون على أن قرار إعدام الشيخ النمر هو قرار سياسي غير مرتكز على أدلة جرمية، لأنه بحسب المعطيات المتداولة، لم يقم الشيخ النمر بأي عمل عسكري أو تفجير أمني يهدد أمن الدولة، كالذي أقدمت عليه مجموعة من التكفيريين الذين أعدمتهم السعودية، فضمّته إليهم من دون وجه حق لتبرير فعلتها الشنيعة، وجُلّ ما قام به الشيخ نمر (وهو من عائلة عريقة لها تاريخ سياسي حافل في مقاومة الظلم والمطالبة بحقوق الناس في العوامية، فقد قاد جده تمرُّداً في العام 1930 ضد جباة الضرائب والمتطرفين والداعين إلى الوهابية)، أنه ساهم في انتفاضة شعبية في العام 1979، وبعدها حصلت تسوية بين حركة "الشيرازيين" ونظام آل سعود، لكن الشيخ النمر رفضها لأنها كانت غير مُحقّة، وعاد مجدداً إلى التحرك المطلبي في العام 2006، وطالب الحُكام السعوديين بإعطاء الشيعة حقوقهم (تعدادهم15% من سكان السعودية).. فلم تخرج حركته عن الإطار المطلبي، ولم يطالب بإسقاط الدولة أو الانفصال عنها، علماً أن أميركا كانت قد تقدّمت بمشروعها لانفصال الشيعة عن السُّنة في المنطقة الشرقية، وكان رفض الشيخ النمر لهذا المشروع سيّد الموقف، ولذلك اعتبر مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فيليب لونر، أن الإعدام كان بدافع تصفية حسابات سياسية، ومحاولة لإسكات أي انتقاد يخرج في وجه النظام السعودي.

كان الدافع لهذا الإعدام وقوع السعودية في مأزق كبير على المستويين الداخلي والخارجي:

1- شعور السعودية بالخوف الشديد من تنامي ظاهرة الشيخ النمر، وتأثُّر بعض المعارضات السُّنية في مناطق الشمال القريبة من العوامية، والتي تعاطى معها أمراء الحكم كمعقل للمتشددين، كما وصفها القنصل الأميركي في برقية سرية في العام 2006 (نشرها موقع ويكيلكس).

2- إشغال الداخل السعودي بهذا الحدث الكبير، لصرف نظره عن التردّي الاقتصادي، والعجز الكبير في الموازنة، الأمر الذي اضطر السعودية لأن تسحب ما يقارب الـ80 مليار دولار من صندوقها السيادي الذي سينفد بحلول عام 2020 (وفقاً لخبراء النقد الدولي؛ صحيفة "ليزيكو" الفرنسية).

3- التخفيف من حدة الصراع الموجود داخل المملكة بين الأمراء، وتحديداً بين الأمير محمد بن سلمان والأمير محمد بن نايف، والذي يسعى كل منهما إلى إثبات أنه الأكفأ لتولي الحكم بعد وفاة الملك سلمان.

4- ضعف نفوذ السعودية في منطقة الشرق الأوسط، ودخولها في حروب متعددة ضد اليمن، وضد سورية، وتلقيها الضربات القاسية التي ستنعكس سلباً على استقرار أمنها واقتصادها.

5- مقتل زهران علوش؛ قائد "جيش الإسلام"، والعديد من قيادته، الأمر الذي أفقدها ورقة أساسية في سورية.

6- منافسة قطر وتركيا وغيرهما من دول الخليج لها على زعامة المنطقة.

7- والأهم، محاولة إيجاد توتّر مع إيران، للحدّ من اندفاعة الدول الغربية نحوها بعد توقيع الاتفاق النووي، ولتقييد امتدادها وتأثيرها في الحلول المطروحة في المنطقة، ودور إيران فيها.

أرادت السعودية أن تستفيد من هذه العوامل للتخفيف من الآثار السلبية لمأزقها، والعمل على شد العصب المذهبي في العالم الإسلامي، الذي بدأته بإنشاء "التحالف الإسلامي" العسكري في 15 كانون الأول 2015 بقيادتها، لتأمين حشد عربي كبير في مواجهة إيران وسورية والمقاومة، ومحاولة إعطاء هذا الصراع طابعاً مذهبياً، علّها تستفيد منه للتخفيف من حدة الأزمات التي تعانيها، ومن الهزائم التي مُنيت بها في اليمن وسورية والعراق، ولحرف الصراع في المنطقة عن وجهته الحقيقية، وهو صراع بين مشروعين: مشروع يريد إجهاض القضية الفلسطينية، وآخر يريد إزالة "إسرائيل" من الوجود.

إن مقتل ودماء الشيخ النمر لن تذهب هدراً، وكما قال الإمام الخامنئي فإن "السعودية ستواجه انتقاماً إلهياً"، وسيلاقي هؤلاء الظلمة الذين قتلوه، المصير الذي لاقاه زعماء السوء في الأمة؛ من مبارك إلى القذافي إلى زين العابدين بن علي، وستثمر دماء الشيخ الشهيد نصراً للأمة الإسلامية وللنهج المقاوم، لأنه ما ضاع حق وراءه مطالب.