للمرة الاولى منذ اكثر من عقد من الزمن، تدخل ايران الى العالم بوجه جديد. فبعد رفع العقوبات الدولية عنها، وتوقيع الرئيس الاميركي باراك اوباما قرار رفع العقوبات الاميركية ايضاً، حصلت طهران بشكل رسمي على "صك براءة" دولي، اعادها الى الساحات الاقليمية والدولية بصفة لاعب بكامل الصفات والحقوق بعد ان كانت مكتفية بلعب دور من وراء الكواليس.

ايران تطل بحلة جديدة، ما يعني انه بات من "القانوني والشرعي" الحديث معها من قبل اي كان وحول اي موضوع كان، كما ان كلمتها ستعود بقوة في الموضوع الاقتصادي بعد رفع الحظر عن اموالها في الخارج.

يمكن القول ان هناك 30 مليار سبب يسمح لايران بالتدخل في المواضيع والمشاكل التي تشهدها الساحات العالمية في الشرق الاوسط، فبعد رفع العقوبات والحظر المالي، سيتحرر لطهران وفق توقعات المحللين اكثر من 100 مليار دولار مجمدة في الارصدة الخارجية، وهو مبلغ ليس بالسهل اذا ما عرف الايرانيون كيفية استخدامه للخروج من ضائقتهم الاقتصادية من جهة، واستثماره لحجز امكنة لهم في قطار القرارات الدولية من جهة اخرى، في عالم لا تخفى فيه مشكلة الاقتصاد وصعوبة التعامل معها.

ردود الفعل على الدخول الايراني الجديد اتت متفاوتة، فأميركا والغرب رحبا بالحلّة الايرانية الجديدة، وتسلحا بـ"انجاز" سحب الخطر النووي الايراني وابعاد هذا الشبح، اقله في المدى المنظور. الارتياح الاميركي-الغربي اتى ليفسح المجال امام ايران للتدخل بقوة في الشرق الاوسط وخصوصاً في معركة الحرب على الارهاب، والدور المقبل لها بعد التسوية الشاملة التي تنتظرها المنطقة والتي سوف تضع اسساً جديدة لمستقبل سوريا والعراق واليمن وتأثيرها بطبيعة الحال على دول المنطقة ككل، وعلى اوروبا بدرجة ثانية. وبدا "الغزل" واضحاً في عملية تبادل السجناء الاميركيين والايرانيين، فيما اتت حادثة دخول الزورق الاميركي الى المياه الاقليمية الايرانية بسبب خطأ تقني لتزيد من جمال صورة ايران حيث لم تتأخر في الافراج عن الجنود الاميركيين العشرة، فيما كان القلق يسيطر حول ما سيقوم به معارضو الاتفاق النووي في داخل ايران وعما اذا كانوا على استعداد لنسف كل الجهود التي بذلت في الآونة الاخيرة، ونسف الاتفاق برمّته. الا ان الرئيس الايراني حسن روحاني ومن ورائه وزير الخارجية محمد جواد ظريف اثبتا انهما هندسا الاتفاق وفق رغبة ايرانية واضحة بالتخلص من العقوبات التي تركت اثراً واضحاً على الحياة اليومية للايرانيين مهما قيل عكس ذلك.

الارتياح الاميركي-الاوروبي لم يكن دون حفظ "خط العودة"، وتنبيه طهران الى انها ولو كسبت "اصدقاء" لها في السلطة في هذه الدول، لكنها ستبقى تجت مجهر المعارضين لها ضمن الدول نفسها، من هنا يمكن فهم الحظر الذي فرض اخيراً من قبل واشنطن على ايران بسبب تجربتها للصواريخ الباليستية.

في المقابل، كانت ردة الفعل الاسرائيلية ضعيفة حيث اكتفى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بترداد عبارة مفادها ان اسرائيل لن تسمح بحيازة ايران على سلاح نووي، وهي عبارة لم تعد تنفع لتغطية الفشل الاسرائيلي في عرقلة الاتفاق النووي، وهي لا تعد سوى "عبارة انتصار وهمي" لاسرائيل التي لم يكن لها، وللمرة الاولى، اي دور رئيسي في موضوع حيوي جداً لمستقبل المنطقة.

لكن الرد السلبي كان وما زال من "زعيمة دول الخليج" حتى اشعار آخر، اي السعودية. وليس خفياً ان الرياض تعيش فترة حرجة في تاريخها ان على الصعيد السياسي او على الصعيد الاقتصادي، ووفق المسار الذي تسلكه المملكة، فإنها تخسر اوراقاً تملكها دون مقابل، ولعل آخرها قيامها بإعدام الشيخ الشيعي نمر باقر النمر. لم تتقبّل السعودية الدور الايراني الجديد، ولا ان طهران ستكون ربما للمرة الاولى منذ زمن بعيد متقدمة عليها في الافضلية السياسية وفي جذب الاهتمام الغربي، ناهيك عن الدعم الروسي القوي الذي بقي ثابتاً منذ ما قبل العقوبات، وسيقوى حتماً في الفترة الحالية التي شهدت رفع هذه العقوبات، اضافة الى الاهمية التي تكتسبها في قطاع النفط (تتمتع ايران برابع اكبر احتياط نفطي في العالم). حاولت السعودية ولا تزال، تحجيم الدور الايراني الجديد وهي لم تألُ جهداً وسعياً لدى الاميركيين والغربيين لتحقيق هذا الهدف، غير انها لم تلقَ آذاناً صاغية، لا بل انها وجدت نفسها مهددة بعلاقتها مع الغرب الذي اوضح بما لا جدل حوله انه لن يقبل بتفضيل المصلحة السعودية على مصالحه في المنطقة وخارجها، وانه بات يجد في ايران وسيلة افضل للوصول الى غايته هذه.

القلق السعودي يتأتى ايضاً من التبادل التجاري لايران مع دول الخليج (الامارات وقطر وعمان...) حيث يدل تاريخه الى ارقام كبيرة جداً، انخفضت نسبياً بسبب العقوبات، لكنها سترتفع حتماً في الاسابيع والاشهر المقبلة.

باختصار، تسير ايران بثبات نحو دورها الجديد، مرتدية حلتها الجديدة متسلحة بصك براءة دولي، ولكن الطريق لن تكون معبّدة تماماً امامها لان تضارب المصالح قد يطل برأسه في اي وقت وقد يقلل من حجم دورها، انما هذا الامر في حال حصوله، لن يكون في المدى القريب، وستكون ايران نجمة العرض الاقليمي والدولي في الفترة المقبلة.