لا تبدو بكركي هذه الأيام خارج الاجماع المسيحي، لا بل في صلب رعايته ومباركته، وهو ما بدا واضحاً في الموقف الذي اعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من على ارض المطار قبيل مغادرته الى روما.

في الأشهر الماضية، مرّت العلاقة بين بكركي والرابية ومعراب بمسار متعرّج. وإن كانت غاية كل طرف هي نفسها لناحية انهاء الشغور الرئاسي، وعودة الحياة الطبيعية الى المؤسسات، الاّ أن وجهات النظر لم تكن متقاربة دائماً لناحية الأسلوب والتوقيت.

ترافقت صياغة "اعلان النيات" مع ضغوط داخلية وخارجية لانهاء الشغور. فالفاتيكان القلق من استمرار الجمهورية بلا رأس، كان يحث في اتصالاته مع البطريركية المارونية، على ضرورة انتخاب رئيس. اما في الداخل، فكانت الضغوط والمحاولات المتعددة للاتيان برئيس من خارج نادي الأقوياء، في خطوة شبيهة بما عمل به منذ الطائف. وهو ما تطلّب اكثر من مرة تواصلا وزيارات لعب فيها احد عرابي هذا الاتفاق النائب إبراهيم كنعان دور الموضح والشارح والمطمئن مع ملحم الرياشي.

ومع اعلان النيات في الثاني من حزيران 2015، باركت الكنيسة المارونية الخطوة المتقدمة، الاّ انها لم تعتبرها كافية، طالما لم توصل بعد الى انهاء الشغور. لذلك، لعب الموفدون بين الرابية ومعراب وبكركي دور المبدد للهواجس، بأن ما يعمل عليه لن يكون شكلياً، والمؤكد أن الهدف مشترك بين بكركي والقطبين المسيحيين لناحية الاتيان برئيس ينسجم مع ما نادت به بكركي في مذكرتها الوطنية "صاحب تمثيل، ومعبّراً عن وجدان بيئته".

ومع لقاء معراب الجامع الاثنين الماضي، بات الثامن عشر من كانون الثاني بالنسبة الى بكركي حداً فاصلاً بين ما قبل وما بعد، لاسيما أن المعنيين يعولون على دور إيجابي لبكركي في حماية ما حصل، وتأمين فرص النجاح له، لاسيما في البيت المسيحي.

الاثنين الماضي، قصد القطبان المارونيان، ميشال عون وسمير جعجع أن يمر اتفاقهما ببكركي. فزار كل منهما الصرح البطريركي لاطلاع الراعي على ما انجز، وتأكيد أن ما يجري ليس مجرد لحظة، بل محطة أساسية، تجعل ما بعدها غير ما قبلها. عون التقى البطريرك قبل توجهه الى معراب، وجعجع اتصل بالراعي قبل استقباله لعون مطلعاً إياه على الاتفاق، وشارحاً ان مسؤولية الكنيسة المارونية تكمن في إعطائه البعد اللازم مسيحياً، لتأمين التعاون، لاسيما مع رئيس تيار المردة. وعلى هذا الأساس، تواصل الراعي مع فرنجية، وكانت الزيارة المسائية بعيد اعلان الاتفاق بين عون وجعجع.

لقاء مسيحي مسيحي؟

وتشير معلومات "البلد" الى أن ما يتم العمل عليه راهناً هو لقاء مسيحي في بكركي، يحصل ما بعد عودة البطريرك من روما. وهي مسألة تحتاج الى اتصالات تحضيرية. والمقصود على هذا الصعيد إما لقاء ثلاثياً للراعي وعون وجعجع، ام ان يتحوّل الى اجتماع موسع بانضمام الكتائب والمردة اليه، وهو ما يلبي رغبة بكركي والفاتيكان من جهة، ويعطي دفعاً لاتمام الاستحقاق الرئاسي من جهة ثانية.

ويتحدّث المعنيون عن ان نموذج معراب هو الذي سيتبع من الآن فصاعداً في العلاقات المسيحية-المسيحية. بمعنى انجاز الاتفاقات قبل الإعلان عنها، اذ لا يمكن تحميل بكركي وزر الخلافات، بل رعاية الاتفاقات. فمن غير الصحي ولا المطلوب الباس بكركي الخلافات، لأنها ستغرق في مستنقعاتها، بينما من الأفضل ان تمنح مظلتها ودعمها ورعايتها لما تتفق عليه الكتل المسيحية الأساسية.

بكركي تبارك وتعمل على خط الجمع

وبحسب المعطيات، فإن البطريركية المارونية ايقنت انها لا تستطيع ان تسير بين الانقسامات المسيحية-المسيحية من جهة، كما لا يمكن للقوى المسيحية السير على توقيت بكركي. فما انجز في الثامن عشر من كانون الثاني لم يكن وارداً قبله بأشهر، لاسيما أن 35 عاماً من الصدام لا يمكن ردمهم في شهر واحد. وكان لا بد من انجاز الاتفاق المسيحي-المسيحي حتى لا يأتي رئيس كيفماكان، في ضوء الحاجة الى الرئاسة القوية التي تعيد التوازن والشراكة وتطوي صفحة الخلل التي فتحت منذ الطائف، في ضوء التطبيق المعتور له.

ووفق المعلومات "البلد" فإن بكركي فرحة بما حصل، ومستعدة للمساهمة في بلورته اكثر. من يسأل الأساقفة العاملين في الدائرة الضيقة للصرح عن الموقف من الاتفاق بين التيار والقوات، يخرج باجابة واضحة "لطالما تحدّث الافرقاء الآخرون، سنة وشيعة، عن ضرورة الاتفاق المسيحي. اما اليوم وقد حصل هذا الاتفاق، فالمطلوب من غير المسيحيين ترجمة الاقوال الى أفعال، واحترام ما اتفق عليه المسيحيون".

الحريري بين المردة والكتائب

وفي الوقت الذي يسير قطار التفاهم المسيحي، فوفق معلومات ل"البلد"، ان رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري يعمل على الفصل ما بين المسار المسيحي-المسيحي. وكان لافتاً على هذا الصعيد الحديث عن زيارة لرئيس حزب الكتائب سامي الجميل الى باريس للقاء الحريري، وتواصل ولقاء بين رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية والحريري. ما يطرح التساؤل عن امكان وقوف الحزبين المسيحيين في وجه الرأي العام المسيحي المؤيد والداعم للتقارب.

اليوم اذا، تم الاتفاق وحصل على مباركة بكركي، بحسب توقيت التفاهمات السياسية المسيحية-المسيحية، لا الضغوط الداخلية والخارجية. والأكيد ان العاملين في حقل الوحدة المسيحية سيواصلون مساعيهم لتثبيت ما تحقق حتى الآن، وإنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة أن الرئاسة القوية ضمانة للجمهورية القوية والمستقرة والمطمئنه لجميع مكوناتها.