على الرغم من أن الضغط الذي سبق الجلسة التشريعية اليتيمة في العام 2015، افضى الى إعادة قانون الانتخاب الى سكّة ورشة التشريع، الاّ أن القطار الذي حدد توقيت مساره بمهلة شهرين، لم يصل الى محطة الاجماع على صيغة موحّدة لقانون الانتخاب.

غداً الخميس، وعشية نهاية هذا الشهر، من المفترض أن تلتئم اللجنة العشرية في آخر اجتماعاتها، لترفع تقريرها بعدها الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، للبناء على الشيء مقتضاه. علماً أن أوساط المجتمعين لا تنفي ل"البلد" امكان تمديد هذه المهلة لاسبوعين إضافيين، على الرغم من أن اياً من المعينين لا يعتبر أن هذه الإضافة يمكن ان توصل الى نتيجة.

وللتذكير، فهذه اللجنة تضم النواب ميشال موسى عن كتلة "التنمية والتحرير" وآلان عون عن "التيار الوطني الحر" وأحمد فتفت عن "المستقبل" ومروان حماده عن "اللقاء الديموقراطي" وسيرج طورسركيسيان عن الأرمن وسامر سعادة عن الكتائب وعلي فياض عن "الوفاء للمقاومة" واميل رحمه عن كتلة "لبنان الموحد" وروبير فاضل ممثلاً للارثوذكس، بالإضافة الى النائب جورج عدوان عن القوات اللبنانية، والذي يشغل دور منسق اللجنة.

واذا كان الصمت سمة أعضاء اللجنة طوال الفترة الماضية، "فلأن لا شيء تحقق ليعلن". فعمل اللجنة العشرية يقتصر على الشق التقني، وهي التي ناقشت الصيغ المختلفة للقانون المختلط الذي يجمع بين النسبي والأكثري، من دون أن تصل الى راي موحد حول أي من هذه الصيغ.

طوال أسابيع، حصرت النقاشات بالاقتراح الذي سبق للنائب علي بزي ان قدمه ويقضي بانتخاب 64 نائبا وفق الأكثري و64 نائبا وفق النسبي، وبالطرح المشترك بين "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" ويقضي بانتخاب 68 نائبا وفق الأكثري و60 نائبا وفق النسبي. من دون الحصول على اجماع أعضاء اللجنة على أي من الطرحين.

وعلى هذا الصعيد، يقول أحد أعضاء اللجنة ل"البلد" إن إقرار قانون انتخاب جديد مسألة بيد القوى السياسية، " ولو عقدنا مئات الاجتماعات، وتناقشنا لسنوات لما امككنا الوصول الى قانون انتخاب طالما أن القرار السياسي لدى البعض بعدم إقرار قانون جديد في الوقت الراهن".

من هنا، يمكن وصف اللجنة "بالأداة التنفيذية للقوى السياسية"، والدليل على ذلك، أن الآراء لا تزال هي نفسها على طاولتها، بغض النظر عن الخلطة السياسية المستجدة على الساحة الداخلية.

في الساعات المقبلة، سترفع اللجنة تقريرها الى رئيس المجلس، وسط احتمالين: الأول، أن يطلب بري من اللجنة الاستمرار بعملها لاسبوعين إضافيين، اما الثاني فأن يحيل ما توصلت اليه النقاشات الى اللجان النيابية المشتركة. ما يعني في الحالتين، أن طريق قانون الانتخاب الى الهيئة العام لا تزال طويلة، وأن لا إرادة فعلية لدى مختلف الكتل بالانطلاق نحو قانون جديد يؤمّن صحّة التمثيل على المستوى النيابي، ويشرّع الباب امام الاستقرار المؤسساتي.

"كل الأمور تبقى رهن الاتفاق السياسي" يؤكد أحد أعضاء اللجنة ل"البلد"، لافتاً الى ان "قانون الانتخاب يحتاج الى اتفاق سياسي. وكما أن المرسوم الذي يوقع في مجلس الوزراء هذه الأيام، يأتي كنتيجة طبيعية لموافقة مكونات الحكومة عليه خارج القاعة قبل عرضه في داخلها، فكذلك الامر بالنسبة الى قانون الانتخاب. فالعمل الفعلي هو عمل سياسي بين القوى السياسية التي عليها ان تمنح مظلّتها الداعمة لاي صيغة جديدة".

لا ينكر عضو آخر هذه الخصوصية، شارحاً أن "قانون الانتخاب يمكن ان يقر بعد أيام، او ان لا يقر خلال 10 سنوات. فالقضية قضية سياسية، خاضعة للتنازلات المتبادلة بين طارحي النسبية الكاملة، والأكثرية الكاملة. وكلّما زادت التعقيدات السياسية في هذا الملف او ذاك، ارخت بظلالها على ورشة قانون الانتخاب، وخلقت مطبات افضت حكماً الى الارجاء والتمييع".

وسط هذا المشهد، لا يزال الصراع بين تيارين، الأول يعتبر ان لا قانون انتخاب قبل الرئاسة، وأن استمرار الشغور سيعني حكماً مواصلة وضع قانون الانتخاب في ثلاجة الانتظار والنقاشات التقنية والأخذ والرد والارجاء بشكل او بآخر. اما الثاني فيرى أن إعادة تكوين السلطة تبقى الممر الالزامي والصحي للخروج من الأزمة وتأمين الاستقرار المؤسساتي القائم على صحّة التمثيل.

وطالما أن أي طرف لم يقنع الآخر بوجهة نظره، وان الخطين لا يلتقيان الاّ متى شاء القرار السياسي ذلك، سيبقى الدوران في حلقة مفرغة عنوانها الرئيس "لا قانون انتخاب قبل حوالى السنة من انتهاء الولاية الممددة للمجلس النيابي".

منذ اليوم بدأ السؤال التالي يتداول في نقاشات المعنيين: ماذا لو وصلنا الى موعد انتهاء ولاية المجلس، ولم تكن الظروف مؤاتية لتمديد جديد، ولم يكن من بديل عن اجراء الانتخابات النيابية؟ هنا تسمع الإجابة التالية: "ع الستين يا انتخابات"، طالما أن القانون المعدّل في الدوحة يبقى ساري المفعول الى أن يلغى بقانون جديد يقره المجلس النيابي.

وطالما أن هذه الفرضية مطروحة، فذلك يعني أن البعض لا يريد من نقاشات قانون الانتخاب الاّ "ملهاة" ليملأ فيها الفراغ الحاصل، ويبقي مؤشرات، ولو خجولة، عن ان هناك من يسعى بشكل او بآخر للبحث عن المفتاح الملائم لعقدة الأزمة المستمرة.

في الوقت الذي يبرز رأي آخر يعتبر أن إبقاء النقاش في الصيغ المختلفة لقانون الانتخاب، افضل من اللانقاش. فإذا ما تأمّنت الظروف الملائمة، يمكن عندها اختصار الطريق والذهاب في اتجاه قانون جديد يرضي الجميع. "فإذا سمح الظرف، يرتّبها رئيس المجلس في غضون أيام" على حدّ قول أحد المعنيين بنقاشات اللجنة العشرية.

هل قضي الأمر اذاً؟ هناك من يقول لا، ويتحدّث عن انه وبموازاة الحركة الرئاسية على طريق الرابية معراب، قد يتصاعد الدخان الأبيض معلناً الاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على صيغة او صيغتين، يمكن ان تشكلان أرضية مشتركة للتلاقي عليها اذا ما كانت النيات لدى القوى السياسية صادقة بإقرار قانون انتخاب جديد. هنا ايضاً ستكون ملائكة الاتفاق المسيحي حاضرة.