على الرغم من الإنشغالات المحلية في العديد من الملفات السياسية، عاد التهديد الإرهابي، القائم في جرود بلدة عرسال البقاعية، إلى الواجهة من جديد يوم أمس، من بوابة الإشتباكات بين تنظيمي جبهة "النصرة" و"داعش"، ليطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً أن الأخير نجح في السيطرة سريعاً على بعض المواقع الخاصة بالجبهة، مهدداً بالتقدم نحو الأراضي اللبنانية.

التطور الأمني الخطير برز من خلال تحريك "داعش" الجبهة، عبر هجمات عنيفة ومركزة على مواقع "النصرة"، التي تسيطر على معظم المعابر المؤدية إلى عرسال من جهة الشمال، من وادي عجرم ووادي حميد حتى الملاهي، في حين عمدت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة إلى رفع مستوى جهوزيتها، بالإضافة إلى إستهدافها تحركات الجانبين، بهدف الحد من تحركاتهما عند المواقع المطلة على مركزه، لكن قبل ذلك كانت اشتباكات عنيفة قد دارت بين الجانبين في جرود الجراجير في القلمون، إثر هجومٍ مباغت لـ"النصرة" على مراكز "داعش" في الجرود، الذي سارع إلى الرد بهجوم معاكس استرد خلاله مواقعه.

وفي حين تحدثت بعض المعلومات أن خلفيّة الإشتباكات تعود إلى قيام الجبهة بتجنيد مقاتلين من أبناء عرسال واللاجئين السوريين فيها، ترجح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن يعود السبب إلى رغبة "داعش" بالسيطرة على منفذ حيوي، بسبب حصاره في الجرود وسط ظروف صعبة، وتلفت إلى أن التحضيرات لهذه المعركة قائمة منذ أشهر طويلة، وكان من المتوقع أن تحصل بأي لحظة بسبب الخلافات القائمة بين الجانبين على أكثر من مستوى، وربما يكون التنظيم قد إستغل الهجوم على مواقعه في جرود القلمون، لتنفيذ هذا المخطط المُعَدّ مسبقاً.

وتعود هذه المصادر بالذاكرة إلى التفجير الإرهابي الذي إستهدف ​هيئة علماء القلمون​ في البلدة البقاعية، بالإضافة إلى إستهداف "داعش" عدد من الشخصيات عبر عمليات الإغتيال المنظمة، في وقت كان أمير "النصرة" في القلمون أبو مالك التلي، قد وجه تحذيراً أخيراً إلى عناصر التنظيم؛ لتشير إلى أن الأرضية كانت تجهز لهذه المعركة التي سيكون لها تداعيات كبيرة، خصوصاً على الأوضاع في الداخل اللبناني الغارق في السجالات السياسية بين فريقي 8 و14 آذار.

وتلفت هذه المصادر إلى أن الجبهة، من خلال سيطرتها على المعابر المؤدية إلى عرسال، كانت تستطيع الحصول على ما تريده من الإمدادات، لا سيما بعد صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين التي تضمّنت إيصال المساعدات بشكل دائم إلى مخيّمات النازحين التي تسيطر على أغلبها، في حين أن "داعش" كان يفتقد إلى مثل هذا المنفذ، في ظل الإجراءات الأمنية المتخذة في المنطقة، وتوضح أنه كان من المستبعد أن يبقى إرهابيوه فترة طويلة من دون القيام بأي تحرك لتدارك الموقف.

في هذا السياق، تصاعدت المخاوف في الجانب اللبناني على أكثر من مستوى، ليل أمس، بعد أن تحدثت بعض المعلومات عن إقتراب عناصر "داعش" من عرسال، لكن المعطيات الرسميّة تؤكد بأن الجيش اللبناني يسيطر على الوضع الى حدٍّ كبير، إلا أن مصادر معنية كشفت، عبر "النشرة"، عن تحريك "داعش" بعض الخلايا النائمة له داخل البلدة، خصوصاً أن الأخيرة كانت نشطة في الفترة الأخيرة، وهي لديها شبكة قوية تسمح لها بالتحرك على نطاق واسع، في وقت كانت فيه بعض الأوساط المقربة من "النصرة" تتحدث عن سيناريو، الهدف منه تسهيل سيطرة "حزب الله" على جرود عرسال، عبر فتح المجال أمامه للتحرك، من خلال الإشتباكات الحالية.

في ظل هذا الواقع الجديد، تعود الأسئلة القديمة، المتعلقة بالموقف اللبناني الرسمي، إلى الواجهة مرة أخرى، فهل من المقبول الإستمرار في السياسة السابقة، المتجاهلة لوجود مجموعات إرهابية على الحدود اللبنانية وفي داخلها؟ هل بات من الضروري الذهاب نحو عملية عسكرية ضخمة تعيد بسط سيطرة الدولة على هذه الرقعة الجغرافية المهمة؟ لماذا لم تصل حتى الساعة التجهيزات اللازمة إلى الأجهزة الأمنية المعنية؟

في المحصلة، الأجوبة قد تكون غير متوفّرة في الوقت الحالي، لكن منسوب الخطر يرتفع كل يوم أكثر، وبالتالي من المفترض أن تكون هذه المسألة بنداً أولَ في مختلف المجالس، الرسمية وغير الرسمية، قبل البحث بأي أمر آخر.