انطلق محمد الى موعد عمل حدّده في وسط بيروت ظهرا، فوصل قبل الموعد بربع ساعة وبدأ رحلة البحث عن موقف لسيارته. بعد 25 دقيقة من البحث المضني و"اللف والدوران" اتصل بصاحب الموعد واعتذر منه على عدم قدرته على حضور اللقاء، محدّدًا موعدًا آخرَ لعل "حظه" يكون أفضل بركن السيارة.

قصة محمد تنطبق على كثيرين ممن يفشلون يوميا بإيجاد مواقف لسيارتهم في بيروت وتحديدا في وسطها حيث تتجمع المكاتب والمؤسسات والوزارات والاسواق، فالمواقف قليلة والسيارات كثيرة، فبحسب مطلعين فإن اعداد السيارات التي تجول في بيروت يوميا تفوق الـ700 ألف، حيث تدخل المدينة يوميا حوالي 350 الف، يضافون الى أعداد السيارات الموجودة داخل العاصمة والتي تزيد عن 350 الف سيارة، خصوصا مع ازدياد أعداد مركبات اللاجئين السوريين بحيث يبلغ عددها في بيروت وحدها ما يقارب الـ35 الفا. ان هذا العدد مرشح للارتفاع من عام لآخر إذ أن أعداد السيارات الجديدة المباعة تتصاعد، فبحسب جمعية "مستوردي السيارات الجديدة"، بيع 29170 سيارة في لبنان في الاشهر التسعة الاولى من العام الماضي، لتشكل ارتفاعا بلغ 1.25 بالمئة عن عددها في العام الذي سبقه.

في ظل هذا الارتفاع بأعداد السيارات، يواجه الساكن في بيروت او زائرها، مشكلة كبيرة جدا في ايجاد المواقف، اذ يدفع نديم 120 الف ليرة شهريا لركن سيارته في موقف للسيارات قرب منزله في العاصمة، ومثله كثر. أما بالنسبة لوسط بيروت فرغم وجود عدد من المواقف المملوكة لشركة "سوليدير" وعشرات الاماكن المخصصة للوقوف حسب نظام "الباركميتير" تبقى مشكلة ايجاد الأماكن معضلة حقيقية تواجه المواطنين، مما يضعهم أمام حلّين: فإما مغادرة المنطقة دون قضاء عملهم كما فعل محمد، وإما ان يركنوا سيارتهم في أماكن ممنوعة كما فعل يوسف الذي كانت له اسبابه الاضطرارية التي دفعته للوقوف مع معرفته المسبقة بأنه سيجد محضر ضبط على سيارته فور عودته. ويقول يوسف: "غريبة قدرة الدولة على استفزاز المواطن وسلبه، فهي تعلم اننا هنا لأجل حاجات ضرورية وتعلم ان عدد المواقف غير كافية، ولكنها رغم ذلك تنتظرنا لركن السيارة ويحرّر الشرطي المحضر فورا".

وفي هذا السياق علمت "النشرة" ان محاضر قوى الامن تطال أيضا وبدون وجه حق اولئك الذين يركنون في مكان مخصّص "للباركميتير" ولا يقومون بدفع البدل المطلوب، اذ ان المحضر هنا هو من اختصاص شركة "الباركميتير" خصوصا ان قيمة المحضرين تختلف بشكل شاسع. كذلك علمت ان آلاف المحاضر تسطّر اسبوعيا بحق "مخالفي الوقوف"، مما يجعل عملية ركن السيارة في بيروت كابوسا مزعجا.

ازاء هذا الواقع، يؤكد رئيس ​بلدية بيروت​ ​بلال حمد​ أن حل مشكلة المواقف في بيروت يكون بحل مشكلة السير عبر اعتماد سياسة النقل العام. ويكشف في حديث لـ"النشرة" أن بلدية بيروت قامت بتلزيم شركة لتقديم دراسة شاملة عن "النقل العام لببيروت" بالتعاون مع المديرية العامة للنقل، مشيرا الى ان الدراسة ستبصر النور قريبا وسيتم عبرها معرفة كيفية تأهيل شوارع العاصمة ليكون لدينا نقل عام وما هي الوسائل التي يجب ان تستخدم".

بالاضافة الى حلّ "النقل العام" تؤمن بلدية بيروت عددا اضافيا من المواقف حسب حمد: "افتتحنا مشروع موقف مدرسة عمر الزعني في الطريق الجديدة، واتخذنا قرارا بإنشاء موقف في مدرسة شكيب ارسلان بمنطقة "فردان" ولكن المشروع اليوم متعثر خارج بلدية بيروت، كذلك قررنا انشاء موقف سيارات تحت ساحة الشهداء مع العلم ان الدراسات لهذا الموقف اصبحت بخواتيمها ومفترض ان يتم تلزيم المشروع اوائل فصل الربيع المقبل، وايضا مشروع مواقف تحت الرصيف العريض مقابل جامع عين المريسة ونحن بانتظار دراسة الأثر البيئي وسيطلق المشروع قريبا، ومشروع مواقف تحت حديقة حسن خالد في عائشة بكار". كذلك اشترت البلدية ثلاثة عقارات، في كورنيش المزرعة مقابل جامع عبد الناصر، في منطقة الحمرا، وآخر بالاشرفية، وسيتم انشاء "أبنية مواقف" لتكون تجربة جديدة حسب رئيس البلدية".

يحلم اللبناني منذ سنوات بخطة نقل عام تسهل عليه تنقلاته، وتتيح له الوصول الى وجهته دون عناء، وبأقل كلفة ممكنة، ولكن السنوات تمرّ دون أي تقدم على هذا المستوى، ليصبح الحلم ليس بنقل عام بل بإيجاد موقف سيارة في العاصمة بيروت.

تصوير محمد سلمان