لم يكن من الممكن لحادث التعدّي على مزار السيدة العذراء في ​بلدة العيشية​ وتحطيم الصليب الصخري الملاصق له أن يمرّ مرور الكرام، إذ إنّ من يقف وراء هذا العمل لا شكّ يسعى لدق الاسفين بين البلدة وجوارها(1)، وهو ما دفع رجال الدين المسلمين والمسيحيين إلى الإجماع على إدانة هذا العمل المستنكر والآثم.

وبحسب معلومات "النشرة"، فإنّ الاتهام بالوقوف وراء الحادثة يطال عدداً من السوريين القاطنين في العيشية، علمًا أنّ القوى الأمنية ترصد عددًا من هؤلاء لتأكيد التهمة والفعل، وهم محلّ مراقبة ورصد. ولهذه الغاية، وبهدف ضبط حركة السوريين داخل البلدة، أصدرت بلدية العيشية قراراً قضى بمنع تجول هؤلاء في البلدة من السابعة من مساء كلّ يوم حتى السادسة من صباح اليوم التالي، وعدم السماح لأقرانهم من خارج البلدة بدخولها ليلاً.

وتُعتبَر العلاقات بين العيشية وجوارها الشيعي أخويّة بأتمّ معنى الكلمة، حيث تُرصَد على الدوام زياراتٌ متبادلة بين أبنائها، وخصوصًا في الأعياد والمناسبات المسيحية والإسلامية، وذلك تقديسًا للجوار وللعيش الإسلامي المسيحي المشترك بوصفه ثروة لبنان الحقيقية وخشبة الخلاص في وجه أيّ فتنة أو محنة، لا بل المدماك والركيزة لعرى العلاقات بين أبناء وطوائف الجنوب المختلفة.

"النشرة" إتصلت بخوري بلدة العيشية ورئيس بلديتها ومختارها وإمام ​بلدة كفررمان​، فأجمعوا على ادانة واستنكار ما جرى للصليب، مؤكدين التفاهم والتعاون والتلاقي فيما بينهم، وان رياح الفتنة لن تدخل ما بين البلدات الجنوبية لخيارها المتماسك والصلب ولوعي اهلها لكل ما يدبر للوطن.

وفي هذا السياق، رفض خوري بلدة العيشية شمون كسرواني اتهام أحد، موضحًا أنّ المزار في آخر البلدة ولا سكن فيه، وبالتالي فدور القوى الأمنية كشف الفاعلين، لافتاً إلى أنّ سيارات كانت تأتي خلال الليل إلى المنطقة وفيها شباب كانوا يسكرون دون أن يردعهم أحد. وأكد كسرواني متانة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة، متحدّثاً عن طابور ثالث يريد "الحركشة"، وقال: "منذ القدم، ونحن وأولاد كفررمان إخوة نعايد بعضنا في المناسبات ونتبادل الدعوات في الأفراح والأتراح، ولكن هناك أشخاص يعملون على الفتنة، ونحن لا نعرفهم ونطالب بوضع حد لهم حتى لا يحققوا أهدافهم".

أما رئيس بلدية العيشية المحامي ​طوني عون​، فأبلغ "النشرة" أنّه لا يوجد في البلدة من أصل 3400 من سكانها سوى 120 شخصا يقابلهم 90 سوريا من اللاجئين، ويعرب عن خشيته من انتشار فكر متطرف فيما بينهم للتشويش على البلدة وخلق فتنة طائفية ومذهبية في المنطقة، ولفت إلى أنّ البلدية اتخذت سلسلة إجراءات بحق اللاجئين وحدّدت أوقات تنقلاتهم من وإلى منازلهم، مشيراً إلى أنّ الموضوع قيد المتابعة أيضًا من قبل القوى الأمنية.

وفيما اتهم عون اللاجئين السوريين بالاعتداء على الصليب، وشدّد على قدسية العيش المشترك في المنطقة، اتهم مختار بلدة العيشية ​لبيب زيدان​ في المقابل من أسماهم بـ"الحشاشين والزعران" بالوقوف وراء الاعتداء، وقال لـ"النشرة": "على القوى الأمنية مراقبتهم كغيرهم حتى لا يتمكنوا من تحقيق أهدافهم". وباعتبار أنّ بلدة العيشية تتبع إداريًا ل​قضاء جزين​، كان لرئيس بلدية جزين ​خليل حرفوش​ موقف ممّا حصل، حيث اعتبر أنّ اللاجئين السوريين هم من أقدموا على التعرض للمزار والصليب، لافتاً إلى أنّهم أرادوا من وراء ذلك "الزكزكة وإثارة النعرات الطائفية"، مشدّداً على أنّ الجنوب اللبناني قطعة مقدسة للعيش الواحد والمحبة.

من جهته، استنكر إمام بلدة كفررمان المجاورة للعيشية الشيخ ​غالب ضاهر​ تكسير الصليب في العيشية وقال لـ"النشرة": "إن أي اعتداء على جيراننا هو إعتداء علينا، وبالتالي فالإعتداء على العيشية هو كالإعتداء على كفررمان"، وأضاف: "نحن ضمن الضوابط الشرعية التي تعودنا عليها من الإمام موسى الصدر نرفض الفتنة والإعتداء على إخواننا المسيحيين ونحن نتلاقى معهم في الأعياد، وسوف نتصدى للفتنة لأن الفتنة أشد من القتل، وكل من هو على خلاف مع توجهاتنا في المنطقة يريد إستهداف عيشنا المشترك وبيئتنا الواحدة المقدسة بالجمع والتواصل والمحبة ونرفض شق الصفوف بين بلداتنا الجنوبية، وسوف نصر على زيارة إخواننا المسيحيين والتواصل معهم في الأفراح والأتراح".

بالإصرار على العيش المشترك إذاً، يتصدّى أهالي العيشية وجوارها للمحاولات الفتنوية التي لن تنطلي عليهم، كما يقولون، مؤكدين أنّ الفتنة لن تدخل إلى الجنوب، مهما حاول المصطادون بالماء العكر.

(1)تحيط ببلدة العيشية بلدة كفررمان من الغرب وعربصاليم من الشمال والجرمق وسهل الميذنة من الجنوب الغربي ومرجعيون من جنوب الجنوب.