أحدثت التطورات العسكرية الأخيرة في سورية إرباكاً لأميركا وحلفائها، وتحديداً السعودية، وذلك بعد الانتصار الاستراتيجي الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه بالتعاون مع روسيا في محافظة حلب، وهو الآن على أبواب تحرير المدينة بعد فصل القسم الشمالي من المحافظة عن قسمها الجنوبي، إضافة إلى تقدُّم الأكراد وسيطرتهم على مطار منغ، الأمر الذي سيسهّل على الجيش السوري استعادة اعزاز، وإغلاق هذه المنطقة الحدودية مع تركيا، بحيث لا يعود أمام "داعش" و"النصرة" هامش كبير من الحركة، ما خلا بعض الأرياف في المحافظات، ووجودهم في إدلب والرقة ودير الزور، وفي بعض مناطق الجنوب السوري التي ضعف نفوذهم فيها بعد سيطرة الجيش السوري على منطقة الشيخ مسكين، وقطع الطريق الدولي عليهم، والذي يصلهم بالريف الدمشقي.

هذا الواقع الميداني أضعف معارضة الرياض ومن ورائها السعودية؛ الداعم الأساس للتكفيريين، والتي لم تستطع القضاء على النظام وإسقاط الرئيس، بعدما أصبح أمراً بعيد المنال على أثر انتصارات الجيش السوري الأخيرة، فحاولت جاهدة تعطيل المفاوضات التي بدأت في جنيف، وعلّقتها معارضة الرياض بحجة استمرار الهجمات ومنع دخول المساعدات إلى المناطق المحاصَرة.

دعت الأمم المتحدة معارضة الرياض ومعارضة روسيا والنظام إلى استئناف المفاوضات بتاريخ 25 شباط الجاري، بتشجيع من أميركا التي ترغب في استمرارها، مع علمها بأنها لن تصل إلى نتائج إيجابية، لأن المطلوب في هذه المرحلة استمرار المفاوضات، والاستفادة من الوقت الضائع، علّ أميركا تستطيع من خلالها إحداث تقدُّم ميداني على الأرض السورية، لتحسين موقعها التفاوضي، فقامت بجملة من الإجراءات، أبرزها:

1- دعوة وزير الدفاع الأميركي في اجتماع وزراء دفاع حلف "الناتو"، الحلف للانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والإسراع في تنفيذ برنامج "الدفاع والردع في القرن الـ21" لردع روسيا.

2- قول كيري في اجتماع المجموعة الدولية إن واشنطن تقترب من لحظة حاسمة في سورية، فإما أن تُحرز تقدماً باتجاه وقف للنار، أو تبدأ التحرك باتجاه خطة لعمليات عسكرية جديدة.

3- التريُّث في تبنّي مشروع الدخول البري للجيش السعودي الذي حمله وزير الدفاع محمد بن سلمان للمجموعة الدولية لدعم سورية، واكتفاء أميركا بطلب زيادة الدعم والإمكانيات للقضاء على "داعش".

4- تأكيد أعضاء "التحالف" على أهمية تقويض مركزي لقوة "داعش" في الرقة والموصل، ومواصلة استهداف بنيتها التحتية الأساسية، بما في ذلك قدراتها المالية.

5- تبنّي أميركا لـ"الحزب الديمقراطي الكردي"، ودعمه في محاربة "داعش" في منطقة الرقة، والحلول مكانها.

6- تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول الاستعداد لبدء عملية برّية في سورية في حال لم تسر الأمور كما هو مخطط لها.

أثارت بعض هذه الإجراءات والتصريحات رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي حذّر من اندلاع حرب عالمية وتعطيل المفاوضات السورية في حال تدخُّل قوات أجنبية فى الحرب بسورية، فهل ستقدم أميركا على العمليات العسكرية من خلال "الناتو"، أم أنها ستذهب إلى خيار إدخال قوات برّية لـ"التحالف الإسلامي" من أجل طرد "داعش" من المناطق التي يحتلها، لتحسين موقعها التفاوضي، أم أنها ستكتفي بالغارات الجوية التي لم تؤدِّ غرضها، بسبب عجز المعارضات "المعتدلة" عن مواجهة "داعش"؟ وهل ستقبل روسيا بالدخول البري لتركيا والسعودية اللتين تعملان على إسقاط النظام وتدعمان الإرهاب التكفيري لهذه الغاية؟

تهدف روسيا من عملها العسكري إلى محاربة الإرهاب التكفيري، ودعم نظام الرئيس بشار الأسد، والوصول إلى تسوية سياسية، ولا تريد أن تدخل في حرب جديدة مع أميركا، وهي جاهزة لأي تنسيق عسكري معها لمحاربة الإرهاب التكفيري، وإن اقتضى ذلك دخول قوات برية من السعودية و"التحالف الإسلامي" تحت مظلة أميركا، لكنها لن تقبل تحت أي ذريعة بأي عمل عسكري من دون تنسيق مسبق معها، ولو أدى ذلك إلى حرب جديدة.