عاد ملف ​النفايات​ اللبنانية الى نقطة الصفر وربما أقل، فخيار الترحيل انتهى لغير رجعة بعد سلسلة فضائح رافقت القضية، وعاد الحديث مجدّدًا عن خيار ​المطامر​، بالاضافة الى خيار ​المحارق​ الذي يطرق الابواب بين الفينة والاخرى. ولكن لِمَ تقوم الدولة بكل هذا اللف والدوران ولا تتجه لتطبيق خطة عام 2006 للنفايات؟

في عهد رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، أقرت عام 2006 "استراتيجية ادارة​النفايات​ المنزلية الصلبة"(1)، وأرسلت الى مجلس الانماء والاعمار لأجل تنفيذها، ونامت هناك. تعمم هذه الخطة مبدأ التدوير والفرز والتسبيخ الى أقصى حد، لتقليص كمية النفايات التي ستطمر مع اعتماد توزيع مراكز الفرز والتدوير والتسبيخ على جميع الاقضية اللبنانية لتحقيق اللامركزية في المعالجة. يومها قسمت الخطة لبنان الى أربع مناطق خدماتية، محافظتا الشمال وعكار، محافظتا البقاع وبعلبك الهرمل، محافظتا الجنوب والنبطية واخيرا محافظتا بيروت وجبل لبنان، ويُؤمن بموجب الخطة لكل منطقة خدماتية مطمر صحي أو أكثر حسب الحاجة، ويُؤمن في كل قضاء محطة فرز ومصنع تسبيخ على أن ترحل العوادم الى المطمر المخصص لها، والاكثر من ذلك فإن المواقع المقترحة لمراكز الفرز والتسبيخ والطمر الصحي قد عينت وحددت وتنتظر الاستملاكات فقط.

تشرح مصادر مواكبة لملف النفايات غاية خطة عام 2006، فتشير الى ان الهدف هو تخفيض نسبة القُمامة التي يتم طمرها من 80 بالمئة الى 20 بالمئة، اضافة لبيع ما يمكن بيعه منها بعد فرزها الى المعامل اللبنانية. وتضيف عبر "النشرة": "لنأخذ مثالا محافظتي بيروت وجبل لبنان، فإن حوالي 80 بالمئة من الكمية الناتجة يوميا والتي تتراوح بين 3 و5 طن، يتم طمرها في مطمر الناعمة وتعالج 10 بالمئة ويتم تدوير 10 بالمئة، وكانت الحجة عدم توفير الدولة اللبنانية للأرض لاجل انشاء معامل للتسبيخ، وبالتالي فبموجب هذه الخطة وبعد انشاء المعامل اللازمة سنصل الى نسبة 40 بالمئة طمر، سيكون نصفها من العوادم ويتم طمرها في مطمر بصاليم، و40 بالمئة معالجة، وتدوير 20 بالمئة".

كانت مواقع المراكز والمعامل قد حُدّدَت ولم يبق سوى الاستملاكات التي كانت ستكلّف الخزينة يوم وضعت الخطة، وعلى امتداد الاراضي اللبنانية، 48 مليون و532 الف دولار أميركي فقط لا غير بحدها الاقصى، بينما دفع لبنان في العام الواحد ومنذ اعوام مبلغ 150 مليون دولار لمعالجة نفايات بيروت وجبل لبنان فقط.

في ذلك التاريخ نجحت الحكومة بانتزاع الموافقة على الخطة، ولكن مجلس الانماء والاعمار أهمل المشروع لحين وصولنا اليوم الى الحائط المسدود الملوث برائحة النفايات. وهنا تشدد المصادر على ان اعتماد خطة 2006 ما زال ممكنا وهو الحل الامثل ويمكن تطبيقها بمرحلة اولى في بيروت وجبل لبنان، وطمر 20 بالمئة من النفايات طمرا صحيا في الناعمة، فمعروف ان الطمر الصحي لا يضر ولا رائحة له ولا يسبب أي مخاطر.

منذ ايام طرحت نقابة مقاولي الاشغال العامة والبناء تلزيم الشركات اللبنانية ملف النفايات على قواعد بيئية وعلمية وتراعي فيها الأهلية والكفاية للاستفادة من مواقع الكسارات والمقالع كمواقع بديلة للمطامر الصحية. وهذا الطرح قد يشكل بداية لتفكر الدولة اللبنانية ولو لمرة واحدة بحل سليم دون التفكير في مردوده المالي على الجيوب الخاصة.

يقول العلم "لا يمكن تحويل اللا شيء الى شيء، ولا يمكن تحويل الشيء الى لا شيء"، فالنفايات لا تختفي بمعالجتها ويبقى بعضها للطمر، ولا تزول بحرقها فالرماد أيضا بحاجة لمطامر، ولكن المطلوب اعتماد مبدأ المعالجة السليمة وطمر ما يجب طمره فقط بشكل بيئي، عسى ثقة المواطن بدولته تعود يوما.

(1)اقرت الخطة في حزيران عام 2006 وتم تحديد فيها كل التفاصيل المتعلقة بطريقة معالجة النفايات عبر الفرز والتسبيخ والطمر وطمر عوادم، وتم تحديد اماكن المعامل في الاقضية بحيث تتوزع عملية المعالجة على كل المناطق دون استثناء، وتم تعيين الاراضي التي ينبغي على الدولة استملاكها اضافة للقيمة التقديرية القصوى لكلفة الاستملاكات.