أشار راعي أبرشية البترون المارونية المطران ​منير خيرالله​ في عظة ألقاها خلال ترأسه قداسا احتفاليا بعيد البطريرك الأول للموارنة القديس يوحنا مارون إلى أنه "لو عاد اليوم مار مارون وتلاميذ مار مارون ومار يوحنا مارون البطريرك الأول ليتفقدوا أبناءهم وشعبهم وكنيستهم، ماذا تراهم يفعلون؟ هل يقفون ويتأملون في ما آلت إليه شؤونهم وقد عانوا ما عانوا من ويلات وتهجير وهجرة ومأساة إجتماعية واقتصادية وسياسية بعد أربعين سنة من الحرب في لبنان ومن الحروب الدائرة في الشرق الأوسط؟ أم أنهم يفهمون وضع شعبهم ويشجعونهم على الإقلاع عن بؤسهم ويأسهم وعلى العودة إلى أصالة إيمانهم بيسوع المسيح القائم من الموت وإلى روحانيتهم النسكية ورسالتهم الأنطاكية القائمتين على القيم الإنجيلية في الحرية والمصالحة والانفتاح".

ولفت إلى أن "عاش الموارنة، في مسيرة تاريخهم، عناصر النسك في حياتهم اليومية على قمم الجبال أو في قعر الوديان ممارسين الصلاة والسهر والصوم والزهد في العالم والعمل في الأرض التي حولوها إلى جنات. وظلوا متكوكبين حول بطريركهم وموحَّدين في كنيستهم. ما أعطاهم مناعة للدفاع عن النفس وعن الآخرين في العيش الحر الكريم. وهذا ما يثبته البطريرك اسطفان الدويهي الكبير الذي كان أول من دون تاريخ كنيسته المارونية في تزامنه مع التاريخ الإسلامي بحيث أن التاريخين أصبحا عنده تاريخا واحدا. فكتب تاريخ شعبه، كما يقول الأب يواكيم مبارك، في المرحلة التأسيسية الأولى، أي المرحلة النسكية مع مار مارون وتلاميذه في جبال قورش. ثم توسع في المرحلة التأسيسية الثانية المتمثلة بهجرة تلاميذ مار مارون إلى جبل لبنان، "الجبل الذي يسكن فيه أولياء الله تلبية لدعوة منه"، "وقد أتوا إليه لا كلاجئين ومضطهدين، بل كمرسلين يستخدمون النسك في الرسالة". وفي المرحلة التأسيسية الثالثة مع البطريرك يوحنا مارون الذي "دخل إلى جبل لبنان وتجمعت إليه الناس من غريب وقريب إلى أن صاروا (قطيعا) شعبا عظيما عم كل بلدان الشام"، بدأ التنظيم الكنسي والإجتماعي للموارنة الذين بنوا عالمهم الخاص في جبل لبنان وأمنوا له استقلالية نوعية، قبل أن يعملوا مع إخوتهم المسيحيين والمسلمين والدروز على تأسيس الكيان اللبناني. الذي أصبح، نقول اليوم، دولة لبنان الكبير مع البطريرك الياس الحويك سنة 1920، و" دولة لبنان جمهورية مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة" مع البطريرك انطون عريضه والشيخ بشاره الخوري ورياض الصلح سنة 1943".

وأفاد أن "البطريرك الدويهي ينظر إلى الكنيسة المارونية، بوصفها جزءا لا يتجزأ من البطريركية الأنطاكية، إلى كونها مسؤولة عن مصير المسيحية في الشرق، الشيء الذي يقتضي أن ننظر إلى الشرق لا كبيئة معادية أو مقر عابر، بل كمحيط طبيعي وموطن أصيل ومقر دائم لا بديل عنه". فكان رائدا في نظرته إلى التاريخ وتطلعه إلى المستقبل حتى أن البابا القديس يوحنا بولس الثاني يعود ويذكرنا، بعد أكثر من ثلاثماية سنة، بتجديد انتمائنا إلى محيطنا العربي وبالحفاظ على علاقاتنا التضامنية مع العالم العربي وتوطيدها وبتعزيز الحوار الصادق والعميق مع المسلمين"، مشيراُ إلى "إنها رسالة لنا جميعا، لكنيستنا ولشعبنا ولبني قومنا، لكي نتمسك بثوابتنا الإيمانية والكنسية والوطنية والإجتماعية. إنها دعوة لنا، نحن أبناء مارون، إلى فحص الضمير والتوبة وطلب الرحمة في سنة الرحمة لكي نعود "ملح أرض لبنان ونور أرض منطقتنا العربية"، كما يقول عنا بعض إخوتنا المسلمين. إنها دعوة إلى عيش قيمنا الروحية والإجتماعية والحضارية والثقافية لكي نعمل مع إخوتنا، المسيحيين والمسلمين، على إعادة بناء لبنان وطنا رسالة في الحرية والعيش الواحد المشترك في احترام تعددية الطوائف والأديان والثقافات والحضارات، وأن نعزز انتماءنا إلى محيطنا العربي".

وأكد "إنها دعوة للعودة إلى عيش روحانيتنا النسكية في العلاقة المباشرة مع الله وفي الزهد في العالم وفي التعلق بأرضنا المقدسة التي أصبحت عنصرا من عناصر هويتنا الكنسية والوطنية فلا تخافوا إذا يا أبناء مارون فأنتم أقوياء بإيمانكم وبتاريخ كنيستكم وآبائكم وأجدادكم. وأنتم قادرون على الاستمرار في حمل رسالتكم المميزة في محيطكم".