يوم الثلاثاء في 8 تشرين الثاني 2016، سيتم تنظيم الدورة 58 من الإنتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة الأميركيّة، وحتى 14 حزيران المقبل، ستتواصل عمليّات تصفية الترشيحات التمهيديّة التي كانت قد بدأت إعتباراً من الأوّل من شباط الماضي. إشارة إلى أنّه لتبنّي ترشيح أيّ مُرشّح لمنصب الرئاسة من قبل حزبه، عليه الحُصول على دعم 1237 "مَندوب" في مُعسكر الجمهوريّين من أصل 2472، وحاليًا ​دونالد ترامب​ في الطليعة ومنافسه الأبرز هو ​تيد كروز(1). وفي معسكر الديمقراطيّين على المُرشّح نيل تأييد 2383 "مَندوب" من أصل 4765، والتقدّم كبير لصالح ​هيلاري كلينتون​، ومنافسها الأبرز ​بيرني ساندرز(2). فهل ستنحصر المنافسة بين ترامب وكلينتون في النهاية أم لا يزال من المُمكن التفوّق عليهما، وهل من تغيير ينتظر السياسة الأميركيّة عند تبديل الرئيس الحالي ​باراك أوباما​، وهل يُمكن أن يصل ترامب إلى البيت الأبيض بعدما كان الكثيرون يعتبرونه في البداية مُهرّجاً بثروة طائلة لا أكثر؟

عيّنة صغيرة من أسئلة كثيرة تُراود شرائح واسعة من الناس في مختلف أنحاء العالم، لما للولايات المُتحدة الأميركيّة من تأثير كبير على الكثير من الملفّات في العالم، إضافة إلى أنّ للإنتخابات في الدورة المُقبلة نكهة خاصة تتمثّل في إحتمال وُصول أوّل إمرأة أميركيّة إلى سدّة الرئاسة هي هيلاري كلينتون، وكذلك في إحتمال وُصول رئيس بمواقف غير مسبوقة ضُد المُسلمين والمُهاجرين هو دونالد ترامب(3). وإذا كان الناخب الأميركي يُعطي أهمّية كُبرى بالنسبة إلى البرامج الداخليّة للمُرشّحين، لا سيّما منها المُرتبطة بالأنظمة الصحّية والتقاعديّة والإجتماعيّة والتربويّة والماليّة، إلخ. فإنّه في لبنان والشرق الأوسط والعالم عُمومًا، الأهميّة تنحصر بالسياسة الخارجيّة التي سينتهجها الفائز بالرئاسة.

بالنسبة إلى الشخصيّتين اللتين سترسو عليهما الترشيحات النهائيّة، لا شك أنّ كلاً من كلينتون وترامب يسيران بثبات نحو حصر المعركة الرئاسيّة بينهما، علمًا أنّ جُهودًا كبيرة تُبذل داخل مُعسكر الجمهوريّين المقسوم على نفسه، في مُحاولة لإبعاد ترامب عن المنافسة، كونه يُعتبر مُرشّحًا مُثيرًا للمشاكل أكثر منه مُرشّحًا قادرًا على تمثيل ​الحزب الجمهوري​ خير تمثيل في مرحلة أولى، والولايات المتحدة الأميركيّة في مرحلة ثانية في حال فوزه. وبالنسبة إلى التغيير المُنتظر في السياسة الخارجيّة الأميركيّة، فهو لن يكون كبيرًا في حال نجح الحزب الديمقراطي في الفوز مُجدّدًا بالرئاسة، وبالأخصّ في حال تمكّنت هيلاري كلينتون من الفوز، باعتبار أنّ أسس الكثير من سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما الخارجية هي من إعداد فريق العمل الذي أدارته كلينتون يوم كانت وزيرة للخارجية بين مطلع العام 2009 ومطلع العام 2013 الماضيين. في المُقابل، في حال فاز أيّ مرشّح من الحزب الجمهوري، سيكون هناك تغييرات كبيرة في الشكل وتغييرات أقل بروزًا في مضمون السياسة الخارجيّة، علمًا أنّ الوقت لا يزال باكرًا للحسم في هذه المسائل. لكن في حال وُصول ترامب بالتحديد إلى البيت الأبيض فإنّ تغييرًا كبيرًا سيطال السياسة الأميركيّة، إن الداخليّة أو الخارجيّة على السواء، بسبب أسلوب هذا الملياردير الأميركي المختلف في التعاطي مع الشأن العام، خاصة وأنّه يُهدّد بنسف ما سبق أنّ أرسته الإدارات الأميركيّة السابقة في أكثر من ملفّ. والسؤال الذي سيفرض نفسه عندها، هو: إلى أيّ مدى سيتمكّن ترامب من التفلّت من قُيود تركيبة حُكم الظلّ في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تتكوّن من مجموعة من الأجهزة العسكريّة والأمنية والإستخبارية ومن التكتلات الإقتصادية العملاقة؟

إشارة إلى أنّه بعدما دخل الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما إلى الحُكم في العام 2009، مُستفيدًا من تأييد عُنصري له من قبل الأميركيّين المُلوّنين، وخُصوصًا من رغبة الرأي العام الأميركي بالخروج من مُستنقعات الحروب في كل من العراق وأفغانستان وغيرها، إرتفعت شعبيّته بسرعة وحظي بتأييد 69 % من الشعب الأميركي، قبل أن يبدأ هذا التأييد بالتراجع والإنحسار ليبلغ حجمه حاليًا 48 %، علمًا إنّه في بعض فترات حُكم أوباما تراجع أيضًا إلى حُدود 38 %. وقد فسّر الكثير من المراقبين هذا التراجع بخيبة أمل العديد من الأميركيّين من النتائج التي خلصت إليها سياسة أوباما الداخليّة والخارجيّة، على الرغم من إعتراف الكثيرين له بدوره في تحسين الإقتصاد الأميركي وفي خفض نسب البطالة وفي تحسين بعض جوانب الخدمات الصحّية والإجتماعيّة.

في الختام، وفي انتظار موعد الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة بعد نحو ثمانية أشهر، سنشهد وقتًا مُستقطعًا بالنسبة إلى ثقل التأثير الإدارة الأميركيّة في العالم، والذي كان تراجع إلى حدود مُتدنّية جدًا في عهد الرئيس أوباما. وإذا كان من أقوال ترامب: "الناس غاضبة جدًا لأنّ إدارة بلدنا تمّت بشكل سيّء جدًاً"، فإنّ وُصوله سيُمثّل تفجيرًا لهذا الغضب الأميركي، بنتائج غير واضحة المعالم، حيث أنّ التغيير الجذري يكون دائمًا غير واضح النتائج، بعكس التغييرات المحدودة التي تكون عادة تحت سقف السياسات العامة المعهودة.

(1)حتى إعداد هذا التقرير كان دونالد ترامب قد نال تأييد 384 مندوبًا، في مقابل 300 لمنافسه الأبرز تيد كروز.

(2)حتى إعداد هذا التقرير كانت هيلاري كلينتون قد نالت تأييد 672 مندوبًا في مقابل 477 لمنافسها بيرني ساندرز.

(3)تعهّد دونالد ترامب ببناء جدار فاصل على مدى 3145 كلم. على الحدود الأميركيّة مع المكسيك، وبترحيل 11 مليون مُهاجر لا يملكون أوراقًا ومُستندات قانونيّة للعيش في أميركا، وبتطبيق سياسة مُتشدّدة ضُد المُسلمين منعًا لتسلّل أيّ إرهابي، إلخ.