بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ استناداً إلى القرار الدولي 2268، بدأ الحديث عن الفدرالية في سورية في إطار محدود، من خلال جواب على سؤال لمساعد وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف حول خيار "الجمهورية الفيدرالية"، وربطه هذا الخيار بشروط عديدة، وأن يكون كنتيجة للمحادثات والنقاشات المتعلقة بشكل نظام الدولة المستقبلية في سورية، وأن يحفظ وحدة سورية وعلمانيّتها واستقلالها، وتأكيد الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية"؛ هيثم مناع، أن نظام اللامركزية في الحكم هو الطريقة الوحيدة التي ستخلّص سورية من دوامة الفوضى، وسعي زعيم "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بزعامة صالح مسلم، إلى إقامة إقليم كردي مكوَّن من ثلاث محافظات بحكم ذاتي، في إطار نظام فيدراليٍ سوري، وهي رؤية باشر "الاتحاد الديمقراطي الكردي" في تنفيذها منذ إعلانه "إدارة مدنية انتقالية في غرب كردستان" في ثلاث مناطق منفصلة: الحسكة، وعين العرب (كوباني بالكردية)، وعفرين، خلال الشهر الفائت.

كما ورد طرح الفدرالية في الوقت الذي هدد وزير الخارجية الأميركي بقوله: "ربما فات الأوان" لإبقاء سورية موحَّدة في حال فشلت العملية السياسية، ملوِّحاً بما وصفها بـ"الخطة البديلة".

وهنا نسأل: ما مدى جدية طرح الفدرالية في الوقت الذي يتم وقف إطلاق النار، والذي وصفه دي ميستورا بـ"الهش"، ويتعامل الجميع معه كهدنة للاستفادة منها، لأن التسوية تحتاج إلى وقت، وإن كان مسارها قد بدأ؟

هل هي مجرد فكرة طرحها الروسي لغاية في نفسه، أم أنها مادة للنقاش في إطار البحث عن الحلول السياسية، أم أنها للتهويل على الدول المجاورة، كتركيا، بمشروع الإقليم الكردي في سورية، لحملها على القبول بالتسوية من دون شرط إسقاط الرئيس الأسد؟

نظام الفيدرالية هو أمر جيد على مستوى العالم الغربي، وبحسب تقرير الأمم المتحدة تأتي الدول الاتحادية في مصاف أفضل 6 دول في الترتيب بين 180 دولة هي: أستراليا وكندا وبلجيكا، والولايات المتحدة، وبعدها تأتي سويسرا وألمانيا، لكنه لن يستخدم في عالمنا الإسلامي لإرساء نظرية التطوّر البشري، إنما سيُستخدم لتمزيق المنطقة وتفتيتها، كي تكون "إسرائيل" الدولة الوحيدة القادرة على فرض سلطتها عليها.

ولو فرضنا أن خيار الفيدرالية هو من الخيارات المطروحة، فهناك مجموعة من العوامل قد تقف عائقاً أمامه ومنها:

1- دخول روسيا الحرب في سورية كان عنوانه حماية الأمن القومي الروسي، وهذا الأمر يتطلب الدفاع عن أمن النظام في سورية ووحدتها.

2- مشروع الفيدرالية سوف يقسّم سورية إلى مجموعة أقاليم، ويُضعف السلطة المركزية فيها، ويفوّت على روسيا فرصة الاستمرار في الاستفادة من سورية الموحَّدة؛ كما هو حاصل الآن في كسر الأحادية الدولية لأميركا.

3- رفض إيران لتقسيم سورية، ودعمها القوي كي تبقى موحَّدة، وإيران قوة إقليمية يصعب تجاوز رأيها في التسوية السياسية.

4- موقف الرئيس السوري بشار الأسد من مسألة نظام الدولة السورية سوف تُحدَّد في الدستور الذي سيصوّت عليه الشعب السوري.

5- طبيعة الأقليات الدينية في سورية قد لا تسمح بفدرالية عادلة، لأنها سوف تستثني بعضها، كالمسيحيين (6%) الذين يأتون في المرتبة الرابعة بعد السُّنة (70%) والأكراد (9%) والشيعة والعلويين (8%)، أما الدروز فيأتون في المرتبة الخامسة (3%)، إضافة إلى الأقليات الأخرى، كاليزيدية والإسماعيلية (1%)، ولأن هذه الأقليات متداخلة في معظم المحافظات.

6- الحكم الذاتي للأكراد وإن كان محل توافق إقليمي ودولي، لكنه لا يعني بالضرورة أن النظام سيكون فيدرالياً.

في الخلاصة، أي من الخيارات السياسية له علاقة بحجم السيطرة العسكرية في الميدان للنظام والقوى الحليفة، والتي أبعدت خطر إسقاط النظام، الذي يؤمن بدوره أن الشعب هو المرجعية في تحديد طبيعة النظام.