تخوض السعودية بعباءتها الخليجية حرباً بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن العدو "الإسرائيلي"، بعد فشلهما المتكرر في حرب تموز 2006 والفشل السعودي في ما يسمى "الربيع العربي"، والصفعة الكبرى في اليمن، والتي جرحت بني سعود في كبريائهم وغرورهم، حيث فشلوا وانهزموا ولم يتمكّنوا من تحقيق أهدافهم سوى قتل المدنيين والحصار وتدمير الحضارة اليمنية.

يعمل السعوديون ليل نهار كخلية نحل لا تهدأ لـ"تأديب" المقاومة ومحاصرتها، عبر تحميلها مسؤولية فشلهم وانكسارهم، ويا ليتهم عملوا ضد العدو "الإسرائيلي" عُشر ما يعملون الآن ضد المقاومة والشعوب العربية، وكأن القدس في أيادٍ "إسرائيلية" أمينة تتكامل مع الأيادي السعودية التي تهيمن على مكة والمدينة، حتى صارت مقدسات المسلمين تحت سيطرة التحالف السعودي - "الإسرائيلي" على مستوى المكان، وصار المسلمون تحت سيطرة الفكر الوهابي - الإنكليزي والتحالف الخليجي - "الإسرائيلي" على مستوى العقيدة والسلوك والحركات التكفيرية المتوحّشة.

ما يُدمي القلب أن يصبح ميزان العروبة هو إعلان الحرب على المقاومة والتحالف مع العدو الإسرائيلي، وأن تصبح العروبة الخليجية قناعاً للمشروع الأميركي - الصهيوني، وأن يدمر بعض الخليجيين بلاد العرب بالتحالف مع العدو "الإسرائيلي" وهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ضده في كل معارك العرب منذ احتلال فلسطين والأراضي العربية المحتلة!

لكن المأساة الأكثر إيلاماً هي الموقف الفلسطيني، حيث أيّدت السلطة الفلسطينية قرار توصيف المقاومة بالإرهاب، في الوقت الذي تفاوض عصابات الهاغاناه والتوحّش الصهيوني، ولم تتقدم السلطة الفلسطينية ومعها عرب الخليج للأمم المتحدة أو مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية لتصنيف "إسرائيل" كدولة إرهابية قتلت خلال الأشهر الماضية حوالى مئتي شهيد من الشباب والصبايا في الانتفاضة المحاصَرة من السلطة والصهاينة وبعض حركات المقاومة، وصمتت "حماس" فلم تعلّق ولم تستنكر، والسكوت علامة الرضى، فلتفهم المقاومة ومحورها أن بعض الفلسطينيين لا يريدون تحرير فلسطين أو قتال "إسرائيل"، وكأن المقاولة السياسية أكثر ربحاً من المقاومة الثورية، وإذا تمّ تحرير فلسطين انقطعت أرزاق بعض المقاولين الذين يعيشون على مآسي الشعب الفلسطيني.. فهنيئاً للمقاومة أمثال هؤلاء الحلفاء الذين كلما سنحت لهم الفرصة نكثوا العهد وغدروا وطعنوا في الظهر..

تحاول السعودية تقزيم هوية الأمة العربية من العروبة إلى "الخلجنة"، إلى "السعودة"، وصولاً إلى أن تصبح الأمة رعية للعائلة المالكة، ويبدَّل اسمها لتصبح الأمة السعودية، بالتلازم مع محاولة تغيير هوية الأمة من الأمة الإسلامية إلى الأمة "الوهابية"، وهنا لابد من الاعتراف بأنها حققت نجاحاً وتقدُّماً في ذلك، فاشترت المواقف العربية بـ"المفرّق" على صعيد الدول، وصادرت قرار الجامعة، واشترت بعض الأحزاب والصحافة والوزراء، وكل ما تحتاجه في معركتها ضد المقاومة، وانفضّ أصحاب المصالح عن المقاومة ولم يبقَ معها إلا بعض الشرفاء العرب المحاصَرين بالفكر والقمع الخليجي.

الإرهاب الخليجي سيتصاعد بطلب "إسرائيلي" - أميركي، ثأراً من المقاومة على نجاحها في هزيمة المشروع الأميركي بأذرعه التكفيرية، لكن الأفعى الخليجية لن تتمكن من ابتلاع "دبور" المقاومة، وسيزيد لسعاته في كل الأماكن، فمادامت السعودية وأهل الخليج أعلنوا حربهم عليها، ومن منطلق "حق الدفاع عن النفس"، فإن المقاومة ستردّ، وسيعلو صراخ المهزومين الأغبياء، فالمقاومة التي هزمت القوة المتعددة الجنسيات بقيادة أميركا في الاجتياح "الإسرائيلي" لبيروت وهزمت العدو "الإسرائيلي" مرتين في العامين 2000 و2006، وهم أسياد الخليجيين، قادرة على هزيمة الأذناب والأتباع، فهم أوهن من بينت العنكبوت، وإن تمادوا بالحصار وطرد اللبنانيين وتعريض الاقتصاد اللبناني للخطر، فالمقاومة ترى في اقتصادهم بيتاً من زجاج هش، وقادرة على تثبيت منظومة توازن الضرر المتبادَل أو الردع المتبادل.

سيبقى الصراخ السعودي - الخليجي دون جدوى في برية المقاومة، ومن انفض عنها وباعها بثلاثين من الفضة سيجد نفسه مرمياً على أرصفة الملوك والصهاينة لاجئاً غير مرحَّب به، وإذا هُزمت المقاومة وكانت الضحية الأولى (لا قدّر الله) سيكون كل المتخاذلين العبيد ضحايا الخطوة التالية.