قد تكون من المفارقات اللافتة على صعيد الأزمة السورية، أن موسكو إختارت "قاعدة حميميم" العسكرية، لتكون "المركز الروسي لتحقيق المصالحة بين القوى المتحاربة"، بعد أن كانت نقطة إنطلاق قواتها في الحرب على الإرهاب، التي تقودها بالتعاون مع الحكومة والقوى الحليفة لها، لتكون الخطوة الأولى من نوعها على صعيد تدعيم الحل السياسي، نتيجة النجاح في التوافق مع الولايات المتحدة على وقف إطلاق نار، يستثني تنظيمي "داعش" وجبهة "النصرة" الإرهابيين، بعد أن عملت في وقت سابق على إطلاق حوار سوري-سوري.

وفي حين استندت ​الحكومة الروسية​، في المرحلة السابقة، على نتائج الميدان العسكري، لتحقيق تقدم في عمل مجموعة العمل الدولية، التي قدمت خارطة طريق أولية، إصطدمت بالمواقف المتصلبة لبعض القوى الإقليمية في مؤتمر جنيف الثالث، تعمل اليوم على الإستفادة من هذا الواقع على الصعيد السياسي الداخلي، بعد أن حددت مهام مركز "حميميم"، بالمساهمة في التفاوض في شأن المصالحات بين ​الحكومة السورية​ وفصائل المعارضة، بالإضافة إلى إبرام إتفاقيات وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.

في هذا السياق، تكشف مصادر سوريّة مطلعة، عبر "النشرة"، أن الخطوات الروسية المتعددة، على الصعيدين العسكري والسياسي، تتمّ بالتنسيق مع الحكومة في دمشق، التي تشجّع الوصول إلى تفاهمات مع بعض الفصائل المعارضة، وتشير إلى أن هذا الأمر يظهر من خلال مشاركة بعض القوى المقربة منها في الإجتماع الأخير، الذي عقد في مركز المصالحة، حيث تم الإعلان عن الإستعداد للمشاركة في حوار سوري-سوري في جنيف برعاية الأمم المتحدة.

وتشير هذه المصادر إلى أن هذه الرؤية الروسية، التي تنص على ضرورة التزامن بين العمليات العسكرية وإطلاق المبادرات السياسية، كانت حاضرة منذ اليوم الأول لصدور قرار الدخول المباشر على خط الحرب، حيث أنها تدرك أن إنهاء الحرب لا يمكن أن يكون إلا من خلال مفاوضات سلمية، مع قوى المعارضة الراغبة في سلوك هذا المسار، بالرغم من المواقف التي تبديها بعض الفصائل المدعومة من قبل بعض القوى الإقليمية، وتعتبر أن موسكو ستسعى إلى الإستفادة من المصالحات التي تعلن عنها، بشكل شبه يومي، على طاولة المفاوضات الدولية، إلا أنها تشدد على أن هذا لا يعني أن العقبات لا تزال كبيرة جداً.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن ضباطاً روس يشاركون في المفاوضات مع بعض الفصائل المعارضة، وهم يحضرون أيضاً شخصياً المصالحات التي تحصل في مناطق عدة، من أجل إعطاء ضمانات بأن ما يتم الإتفاق عليه جدي لا يمكن التراجع عنه، وتتوقع أن تثمر هذه الجهود في المرحلة المقبلة على نحو أوسع، خصوصاً إذا ما تم تثبيت إتفاق وقف إطلاق النار، وتشير إلى أن موسكو تعمل على تعزيز التعاون مع الأكراد، من خلال الإصرار على مشاركتهم في أي مفاوضات سلمية، وتؤكد بأن هذا الأمر يحرج كلاً من تركيا والسعودية، بعد أن سعتا إلى إحتكار تمثيل قوى المعارضة السورية بالجهات التي تدور في فلكهما.

على صعيد متصل، لا تعطي مصادر معنية في "الإئتلاف الوطني السوري"، عبر "النشرة"، أي أهمية لهذه المصالحات، وتعتبر أنها بمثابة "مسرحيات"، كانت الحكومة السورية تتولى إخراجها لكن الآن بات المخرج ​روسيا​ً متهماً بارتكاب "جرائم"، وتوضح أن المشاركين فيها هم في الأصل من القوى السياسية التي تدور في فلك النظام، وبالتالي ليس هناك من داع لها إلا على الصعيد الإعلامي، حيث تسعى موسكو إلى الترويج لرغبتها في الحلول السلمية، بالتزامن مع نظرية مكافحة الإرهاب، في وقت هي لم تستهدف، منذ بداية عملياتها العسكرية، مواقع ومراكز "داعش" بل الفصائل المعارضة، وتضيف: "هذا الأمر يتم بالتنسيق مع واشنطن، التي سلمت القيادة إلى موسكو كي تفعل ما تشاء، بعد التوافق معها على الخطوط العريضة التي تحقق مصالحها".

وتعتبر هذه المصادر أن الحكومتين الروسية والأميركية تعملان على تحقيق مصالحهما في سوريا أولاً وأخيرًا، وتشير إلى توافقهما على تقسيم البلاد، على قاعدة إيجاد نظام حكم فيدرالي، في وقت تبدو فيه القوى الإقليمية عاجزة عن القيام بأي خطوات عملية، باستثناء رفع سقف الخطابات والمواقف الإعلامية، وتلفت إلى بناء كل منهما قواعد عسكرية، بالتزامن مع تثبيت علاقتهما بالقوى الحليفة لهما، إلا أنها تشدد على أن هذا لن يكون نهاية المطاف، لأنّ الأغلبية الشعبية ستسقط هذه المخططات مهما كان الثمن، وتضيف: "المعركة لا تزال في بداياتها".

في المحصلة، تسعى موسكو إلى تدعيم عملياتها العسكرية بمصالحات سياسية مع بعض القوى، ولكن هل تنجح في توسيع الدائرة لتشمل فصائل تُصنَّف "كبيرة"؟