تكاد الكتابة عن مشروع ​شركات مقدمي الخدمات​ في قطاع الكهرباء لا تنضب، فالفضائح بالجملة والاعمال المخالفة لا تعد ولا تحصى. بعد ان ذكرنا سابقا كيفية خسارة الدولة للاموال لصالح هذه الشركات مقابل خدمات "باهتة"، وفشل هذا المشروع بإنجاز ما جاءت الشركات لأجله لناحية تركيب العدّادات الذكية، نتطرق اليوم الى الاخطاء الحاصلة في عمل الشركات وكيفية تعاطي مؤسسة ​كهرباء لبنان​ معها "بعين ​التفتيش المركزي​".

علت الصرخة الصيف الماضي بعد تجاوزات كبيرة مرتكبة في مشروع تأهيل شبكة التوتر المتوسط في منطقة جزّين، وبعد التأكد من صحة المخالفات المذكورة من قبل مديرية المراقبة العامة في كهرباء لبنان تم توقيف الاعمال في هذا المشروع، وطلب مجلس التفتيش المركزي من المؤسسة ايداعه نتائج التحقيقات التي ستجريها. بعد ثلاثة اشهر أحال مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان ​كمال حايك​ نتائج التحقيقات للتفتيش فأتت بمعظمها توصيات عامة دون القيام بأي عمل زجري أو تأديبي بحق المقصّرين، والاكتفاء بتوجيه لفت نظر شديد اللهجة الى المعنيين في قسم جزين دون ذكر اسماء حتى، فكانت النتيجة أن أعاد التفتيش المركزي كامل الملف الى كهرباء لبنان لاتخاذ قرارات حاسمة تتناسب مع حجم الاخطاء المرتكبة.

وأيضا بعد تأخير ثلاثة أشهر رغم المراجعات الخطية والشفهية كما يظهر في كتاب التفتيش المركزي الذي حصلت "النشرة" على نسخة منه، أتى الجواب ليتبين انه تم توجيه تنبيه خطي لرئيس قسم جزين المهندس ط. ر.، متجاهلين مسؤولية المتعهد والاستشاري وبقية الفنيين. إن حصيلة الاخذ والرد كانت حسب كتاب التفتيش المركزي أن مؤسسة كهرباء لبنان لم تعالج أسباب الشكوى ولم تتخذ اي اجراء عملي من شأنه ان يؤدي الى عدم تكرار ما حصل، وأن المؤسسة لم تكن جدية في معالجة موضوع شكوى شبكة جزين من حيث الاجراءات والتدابير.

لم تكن المخالفات في مشروع جزين يتيمة، فبحسب كتاب التفتيش المركزي هي عيّنة عن المشاكل والتجاوزات الموجودة على الشبكات المنفّذة والتي تنفذ في مختلف المناطق اللبنانية مع الشركات الثلاث، ومنها حسب ما علمت "النشرة" على سبيل المثال، انشاء شبكة توتر متوسط في بلدة مجدل عنجر حيث تداخل خط الكهرباء بخط جر المياه ضمن "حفرية" واحدة. وأيضا شوائب تنفيذ مشروع انشاء شبكات توتر متوسط في سن الفيل وجل الديب وبصاليم، حيث كانت الشوائب عبارة عن عدم التزام بالمواصفات المطلوبة لناحية عمق الحفرة وعرضها وطريقة ردمها، وعدم الالتزام بوضع "شريط الامان الذي يدل على مكان وجود خط الكهرباء تحت الارض" في كل حفريات لبنان.

لم يعد بالامكان إخفاء الاخطاء التي ترتكبها شركات مقدمي الخدمات بحق "الكهرباء" في لبنان، ورغم ذلك يسعى "بائعو الوعود" لتمديد عقدهم الذي ينتهي نهاية الشهر الجاري. وهنا تشير المصادر الى ان "الامور تتجه للأسوأ بحيث لم يتم بعد بحث مصير الشركات بشكل جدّي ويبدو اننا نتجه لتمديد قسري بحجة الفراغ الذي يمكن ان يولد جراء رحيلهم". وتضيف المصادر لـ"النشرة": "الخلافات بين المعنيين على هذا الملف تتزايد وآخرها كان تبادل اتهامات بين الشركة الاستشارية "نيدز"(1)ومجلس ادارة مؤسسة الكهرباء. ففي 6 اذار الجاري أرسل مدير عام "نيدز" رسالة ابلغ فيها المعنيين ان الشركة سوف تتابع عملها حتى تاريخ انتهاء العقد الموقع مع المؤسسة في 31 اذار، وذلك عبر تبادل الرسائل والتقارير دون حضورها أية اجتماعات تفاديا للاضرار المعنوية والجسدية التي قد تلحق بموظفيها مع ايضاح الاسباب الموجبة لهذا القرار(2). وكان عضو مجلس ادارة كهرباء لبنان سامر دوغان قد طلب في 3 اذار فسخ العقد مع "نيدز" ومصادرة كفالاته واعتباره ناكلا وتطبيق الخصومات عليه ووقف الدفع له واحالته الى الرقابة العامة(3).

لا تبدو الامور في مؤسسة كهرباء لبنان سهلة، فأيام قليلة تفصلنا على انتهاء عقد شركات مقدمي الخدمات دون تحديد رؤية واضحة لمسار الامور من بعدها، فهل يتم التمديد، وعلى اي اساس؟ وان لم يتم من سيستلم الاعمال وما مصير موظفي الشركات؟، وهل سنشهد دعاوى قضائية متبادلة بين الاطراف المعنية؟

(1)"نيدز" هي الشركة الاستشارية المتعاقدة مع كهرباء لبنان وعملها هو مراقبة عمل الشركات.

(3)