حقق زعيم "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري بعودته الى لبنان،انجازا، بتوافق حكومة تمام سلام على استمرار شركتي "سوكلين" و"سوكومي" بعملهما في جمع وطمر النفايات المتواصل منذ اواخر تسعينيات القرن الماضي، بعد ان هدد سلام بالاعتكاف وتعطيل الحكومة، اذا لم يتم التوصل الى حل لازمة تراكم النفايات في الشوارع منذ حوالى ثمانية اشهر.
لا يصدق معظم اللبنانيين بان ملكية شركة "سوكلين" تعود الى ميسرة سكر، ويرون انه موظف لدى ال الحريري برتبة "صاحب شركة"، فهو، كما روج عن لسانه، عندما صدرت مراسيم تكليف الشركة عام 1999"يملك شركة في المملكة السعودية على قد حاله". وانه "ليس بحجم هذه الشركة (اي سوكلين)". ولعل هذا الشعور الطاغي لدى كثرة اللبنانيين، الذي لم يتم نفيه من قبل اصحاب العلاقة،يساهم في اسقاط مصداقية الحكومات في نظرهم، تجاه ملف النفايات.
تقول احدى الروايات الشعبية التاريخية "وعندما ادركت شهرزاد الصباح، كفت عن الكلام المباح". اما رواية اللبنانيين عن ازمة النفايات المستفحلة، فتقول "عندما توصلت اطراف المحاصصة الحكومية الى توافق، يتضمن استمرار عمل شركتي "سوكلين" وسوكومي" سلكت معضلة النفايات درب الحل".
لكن هذا الحل الاتي لم يعالج بعد مسالة انعدام الثقة بين المواطنين والمسؤولين، خصوصا ان مؤتمر البلديات الاول الذي عقد عام 1999، بعدالترخيص لشركة سوكلين" وتكليفها رسميا جمع ومعالجة النفايات في بيروت ومناطق اخرى، شهد سجالا حول فقدان الف ومائتي مليار ليرة من اموال "الصندوق البلدي المستقل". وكان ذلك اول تضليل تمارسه الحكومات المتعاقبة لمنع اللبنانيين، والبلديات تحديدا، من معرفة حجم المبلغ الفعلي الذي تتقاضاه "سوكلين" وتوأمها "سوكومي" لقاء اعمالهما. حتى ان اكثر من سياسي ومسؤول وقف ليقول، خلال السنوات الماضية، ان ما تحصل عليه "سوكلين" من اموال يرقى الى "اسرار الدولة".
واكثر ما يدفع اللبنانيين الى الشك في خطوات حكامهم في هذا الملف، ليس فقط كف يد البلديات عن دورها التقليدي في معالجة النفايات في نطاقها البلدي، وليس فقط مصادرة اموالها من الصندوق البلدي لصالح "سوكلين"، وانما صم اذانهم عن مشاريع بدأ عرضها منذ اواخر تسعينيات القرن الماضي، تعتمد الطرق الحديثة المعتمدة في الدول الغربية لفرز وتدوير النفايات، وتحويلها الى مواد اولية، اي سلعا يتكفل مردودها بتغطية تكاليف الكنس والجمع، فتكون البلاد امام صفر كلفة وحتى صفر نفايات، لان ما لا يتم تدويره، يتم تخميره والاستفادة منه في انتاج غاز منزلي، ويبقى اقل من خمسة في المئة، مصيره المحارق البيئية، او الطمر الصحي.
لكن شركة "سوكلين" اعتمدت سياسة الطمر في الدرجة الاولى.وتحول مطمر الناعمة، بفعل الاخلال بالوعود والعقود، الى كارثة بيئية بكل ما للكارثة من معنى، على حساب صحة سكان المنطقة والجوار، لان اهل المحاصصة من زعامات الطوائف وجدوا في مصادرة اموال اللبنانيين عن طريق "سوكلين" ما يشبه الدجاجة التي تبيض ذهبا تتوزعه جيوبهم. حتى ان احدا لم يكلف نفسه توضيح ما اثير مؤخرا من ان "سوكلين" تقاضت ستين دولارا عن كل طن نفايات جمعته، بدل فرز لم تنفذه. وان المبالغ التي تقاضتها من دون وجه حق، تقارب السبعمائة مليون دولار؟ من دون ان يحاسبها احد او يراقب اعمالها!
وعندما ارتفعت الاصوات تعترض على بقاء "سوكلين" واستمرار نهب اموال البلديات، عوقب اللبنانيون "بطمرهم" بنفاياتهم، التي تحولت الى اهم المعالم و"المنشأت" في لبنان هذه الايام. حتى ان المسؤولين اتجهوا الى ما هو ادهى، بالتوجه نحو ترحيل النفايات الى الخارج بكلفة تقارب 270 دولارا للطن الواحد، لان مثل هذا الحل، الذي يكلف اللبنانيين حوالى سبعمائة مليون دولار سنويا، يكفل استمرار عمل سماسرة سرقة المال العام.
هكذا جرى تخيير اللبنانيين بين معايشة جبال النفايات، او العودة الى سياسة الجمع والطمر بواسطة "سوكلين" الباقية ابدا، رغم الوعود الكاذبة باجراء مناقصة جديدة. هي دولة "سوكلين" التي تتحكم باللبنانيين، وتتسلط على صحتهم وعلى اموالهم، وهي تشبه ما نشاهده يوميا من توزيع محاصصات التعهدات والالتزامات والمشاريع، التي هي فرع من اصل الفساد السياسي والمالي، المسؤول عنه هذا النظام الطائفي الذي عبقت رائحته الكريهة منذ عقود، من دون ان ينجح اللبنانيون في التخلص منه.