يحاول البعض قراءة الحرب العالمية على سورية بقيادة أميركية وتمويل خليجي، بأنها حرب موضعية تستهدف سوريا فقط وبشكل أكثر دقة بأنها تستهدف الرئيس بشار الأسد ونظامه وهذه قراءة جزئية ناقصة ومبتورة ولا يمكن السير بها لأنها تجافي الحقيقة، فالحرب الأميركية والصهيونية على سوريا حرب متعددة الأهداف حسب المشاركين بها أي حرب الجوائز المتعددة وجوائز الترضية، إنها حرب المقامرة العالمية التي تؤثر بنتائجها على مستوى الإقليم والمشهد الدولي وفاق التالي:

- إن إسقاط سورية الدولة التي تمثل قلب العروبة الحقيقي هو الخطوة الأساسية لمحو العروبة .... التي قادها الرئيس عبد الناصر والأحزاب القومية العربية واستبدالها بالخليجية "سعودة العروبة". وهذا هو الهدف السعودي لزعامة العالم العربي.

- إن إسقاط سورية المقاومة يعني ضرب حركات المقاومة والتحرير العربية وفي مقدمتها المقاومة اللبنانية، مما يحقق الأهداف الإسرائيلية ومنع عودة اللاجئين واسقاط القضية الفلسطينية من الوجدان العربي والفلسطيني.

- إذا سقطت سورية وتقسمت إلى دويلات وفدراليات تنضم إلى العراق الذي لا يزال يصارع التقسيم مع كل الطعنات الكردية وبعض العراقيين لأسباب مذهبية او مطامع شخصية ويكون المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد قد بنى مداميكه الأولى التي تتكامل مع تقسيم السودان وغيره.

- سقوط سورية يضع الشرق الأوسط والعالم العربي وآبار النفط والغاز والطرق البحرية تحت السيطرة الأميركية مما يفتح لها التحكم بالعالم من أوروبا إلى الصين إلى روسيا التي تمثل الهدف الأساس كخطوة أولى.

كانت أميركا قبل الحرب السورية تتعامل مع روسيا كدولة من دول العالم الثالث تفرض العقوبات الإقتصادية عليها وتشاغلها في جورجيا والشيشان وأوكرانيا والقرم، ولم تستطع روسيا تعويض الفجوة بينها وبين أميركا منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي حتى جاءت الفرصة الذهبية في سورية وقد تردد الروس كثيراً للتدخل المباشر، ولم يساندوا سوريا إلا "بالفيتو" في مجلس الأمن حتى سنحت الفرصة لهم للنزول إلى ساحة الميدان العسكري والسياسي بالتنسيق مع إيران وسوريا والعراق، وخلال خمسة أشهر حصد الروس ما كانوا يطمحون إليه طوال عشرين عاماً وبأقل الخسائر وبسرعة قياسية .

- عاد الروس إلى العالم العربي والشرق الأوسط لأول مرة وبشكل واضح وقوي منذ ان قام انور السادات بطرد الخبراء السوفيات من مصر .

- فرض الروس انفسهم شركاء حقيقيين مع أميركا في المفارقات المتعلقة بسورية وتحول المصطلح الإعلامي (كيري – لافروف) إلى أيقونة المفاوضات السورية و عادت روسيا في الإعلام العالمي لتخرج من عزلتها وحصارها.

- لأول مرة في تاريخ روسيا وحتى الإتحاد السوفياتي تتمركز قوى عسكرية روسية ضخمة برية وبحرية وجوية على شاطىء البحر المتوسط قبالة السواحل التركية (عضو الناتو) وبرضى أميركي وعدم ممانعة أوروبية أو دولية وهذا يمثل قمة النجاح الروسي التاريخي.

- كانت روسيا بحاجة بعد عقدين من الزمن لإستعراض القوة وإعادة الثقة للشعب الروسي بإمتلاكه القوة وكسر حاجز الخوف من المواجهة لإسترجاع أمجاد الماضي من القياصرة حتى الثورة الشيوعية وبعد الهزيمة في أفغانستان، وهذا ما وفرته الساحة السورية للروس وبفترة زمنية قصيرة وقياسية وبخسائر بشرية وعسكرية لا تذكر وكذلك بكلفة إقتصادية غير كبيرة نسبياً.

ولأن التدخل العسكري أو أي حرب ليست هدفاً بحد ذاتها بل وسيلة لتحقيق المصالح للأطراف المشاركة، لذا فإن التدخل العسكري الروسي خطوة في المشروع الروسي الذي يتقاطع مع المصلحة السورية في مكان ما، وهو مرحلة من مراحل المشروع السياسي الروسي، والسياسة أو الحروب ليست جمعية خيرية بل هي تحالف مصالح فإذا ما نظر أحد الأطراف أن مصالحه قد تحققت فإنه ينزل البندقية عن كتفه لتحصين الأرباح.

لكن السؤال...هل ستسقط سورية أو الرئيس الأسد في حال انسحبت روسيا ؟

إن سورية التي صمدت خمس سنوات ولم يكن معها سوى المقاومة في لبنان وايران وبعض الأصدقاء، وكانت وحيدة ولم تسقط فإنها تستطيع الصمود لعشرة أو عشرين عاماً إضافياً وسواء انسحب الروس (وهم لم يقولوا ذلك) والوقائع تقول عكس ذلك أيضاً ومع ذلك لو سلمنا بإنسحابهم فإن الجيش والشعب والقيادة السورية مع حلفائهم قادرون على الصمود والإنتصار بعد خمس سنوات من الحرب الإرهابية، وخصوصاً ان المعسكر المضاد بدأ بالتفكك على صعيد الدول والجماعات.

وأخيراً إن سقطت سورية فهو بداية السقوط لروسيا، وسينتقل المارينز التكفيري من سوريا إلى الجمهوريات الروسية الإسلامية، لدك أسوار الكرملين ثانية، فهؤلاء التكفيريون ورعاتهم هم من ضربوا الكرملين في أفغانستان ثم نقلوا إلى سورية والعراق وسينقلون ثانية إلى موسكو وطهران.

ولذا لن يغادر الروس الميدان السوري وسيعودون خلال ساعات إذا اقتضت الحاجة كما قال الرئيس بوتين فليطمئن الأصدقاء وليغضب الشامتون ....سوريا ستنتصر.