يبدو أننا في لبنان محكومون بشكل دائم، بروائح الفساد، والاجتهادات غير الدستورية، نعود إلى بدايات الحياة الدستورية في البلد، إلى عشرينيات القرن الماضي، بعد أن صار للبنان عام 1926 دستور وانتخب رئيساً للجمهورية هو ناظر العدلية أنئذ الأرثوذكسي شاربل دباس، في تلك الفترة تبين أن عصابة تزور "الاسبرين"، وتصنعه من "الجبس"، وبعد أن اعتقلت هذه العصابة، رأى البعض أن وزير الداخلية بشارة الخوري هو من تابع القضية والقى القبض على هذه العصابة، وبعضهم نسب البطولة إلى الرئيس دباس، وفي النتيجة تبين أن هذه العصابة مقربة من المفوض السامي الفرنسي الذي أطلق سراحها.

وفي كل عهد كان له فضائحه، سواء في زمن الانتداب الفرنسي أو في عهود الاستقلال، وكثيرة الحكايات عن إميل اده ورئيس حكومته خير الدين الأحدب، والسلطان سليم في عهد بشارة الخوري، وأموال التعمير وقضية عفاف في عهد كميل شمعون، و"انهيارانترا في عهد شارل حلو، وجوني عبده في زمن الياس سركيس، وطائرات البوما، وروجيه تمرز وسامي مارون وانهيار الليرة في عهد امين الجميل.

أما بعد الطائف، فحدث ولا حرج، يكفي أن نشير إلى أن الدين العام كان قبل أواخر عام 1992 لا يتجاوز 3 مليار دولار، وصار في غضون أقل من أربع سنوات، بحدود 16 ملياراً، وصار تنامي الدين والعجز يتراكم بشكل مخيف يفوق قدرة البلد، حاول الرئيس إميل لحود في عهد حكومته الأولى برئاسة سليم الحص لملمة الوضع ووضع خطة للإصلاح المالي، فكان منها ضريبة TVA ومشروع استرداد الخلوي، ومحاولة وقف نهب وسط بيروت، لكن تحالف المصالح الليبرالية اللبنانية المتوحشة، غلب الرئيس الحص واسقطه بانتخابات عام 2000، ليبقى اميل لحود وحيداً في مواجهة حيتان المال والسياسة.. مع ما في هذه المرحلة من مساحات ضوء هامة صنعتها المقاومة الباسلة، التي امتشقت منذ عام 1982 ارادتها في مواجهة العدوا الصهيوني، ففرضت بعد عدوان واسع في نيسان عام 1996 اتفاق نيسان وصنعت في أيار 2000 التحرير ودحر العدو عن الجنوب ما عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا بلا قيد أو شرط، وحققت في حرب تموز – آب 2006 النصر المبين على العدو الإسرائيلي، وهو نصر غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.

هذه الانتصارات النوعية لم تترجم في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على الأقل في مجالات وقف نهب المال العام، وتوفير الضمانات الاجتماعية والصحية والتربوية للمواطن... لا بل كيفما ضربت يدك ستجد فضيحة.

فهل يجوز الحديث عن نفاياتنا، وأرباح سوكلين حيث الطن "الزبالة" عندنا أغلى من الذهب، وماذا عن فضيحة النفايات التي تقترب من نهاية عامها الأول دون حل جذري.

- ماذا عن أرض النورماندي، والأملاك البحرية والنهرية؟

- ماذا عن فروقات الموازنة التي تبلغ 11 مليار دولار التي لم يعرف مصيرها وأين وكيف ذهبت؟

- ماذا عن هبات قدمت في حرب تموز وتبلغ نحو ستة مليارات دولار ولم تدخل إلى الخزينة العامة.

- ماذا عن المحكمة الدولية، وكيف يتم صرف حصة لبنان من تمويلها؟

- ماذا عن بلد منذ 11 عاماً بلا موازنة عامة، وكيف يتم الصرف وعلى أي أسس.

- وماذا عن الانترنت غير الشرعي ومن المستفيد، ولحساب من، ومن هم ابطاله وخصوصاً في ظل التأكيدات عن ضلوع شركات صهيونية في تزويد محطات لتهريب باحتياجاتها، مما يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وبالمناسبة، ماذا عن فضيحة شبكة الانترنت قبل سنوات قليلة في جبل الباروك، وماذا حل باصحابها ومن يستفيد منها...؟

ماذا عن تدخلات سفير صار يعتبر نفسه مندوباً ومفوضاً سامياً فوق العادة في البلاد لأن صحيفة ما أو محطة معينة تحدثت عن ملكه، في وقت يشن الاعلام الموالي والممول من قبل دولته هجوماً ويفبرك الاكاذيب عن سورية وإيران والمقاومة ولا أحداً يقول له ولإعلامه "ما أحلى الكحل في عينك" وماذا وماذا...

وماذا عن قانون الانتخاب الذي تعمل طبقتنا السياسية دائماً لأن تصيغه وفق مصالحها، دون الأخذ بعين الاعتبار أنه المدخل لأي إصلاح سياسي..

ثم هل يعلم "جهابذة" القانون والدستور من السياسيين أن كل قوانين الانتخاب التي مرت على البلد مخالفة للدستور الذي ينص على مساواة المواطنين بالحقوق والواجبات.. فكيف يتمثل أكثر من 10 آلاف ناخب ماروني في قضاء بنت جبيل في المجلس النيابي، وماذا عن تمثيل نحو 9 آلاف ناخب شيعي في جزين و8 آلاف ناخب سني في بعبدا، وهلم جرا..

فهل فعلاً أن الطبقة السياسية اللبنانية تريد إصلاحاً وتطويراً للنظام؟ أنه السؤال الذي يطرحه اللبنانيون منذ أن قام لبنان، ولم يتلقوا عليه الجواب بعد؟