في الفترة الأخيرة، كثُر الحديث عن المعركة المنتظرة ضد معقل تنظيم ‏‏"داعش" الإرهابي في سوريا، أي ​مدينة الرقة​، بعد أن بات من الواضح ‏أن هناك رغبة أميركية روسية في تحقيق إنتصارات نوعية في هذا ‏المجال، يأتي في سياقها الإعلان عن بدء المعركة ضد المعقل الأول في ‏العراق، أي مدينة الموصل، ولكن هل الأمور بالسهولة التي يجري ‏الحديث عنها بشكل مكثف؟

من حيث المبدأ، من أهم مشاكل المواجهات المنتظرة في المرحلة المقبلة، ‏في سوريا والعراق على حد سواء، هوية ورثة الجماعات المتطرفة بعد ‏إستعادة السيطرة على مناطقها، نظراً إلى حساسية الموقف بعد نمو ‏التوتر المذهبي والعرقي على نحو غير مسبوق في البلدين، حيث من ‏الممكن أن يفضّل البعض البقاء تحت حكم "داعش" على تحريره من قبل ‏جهات معينة، وهذا الأمر بات يُطرَح بشكل علني من دون أيّ تردّد أو ‏خجل، كما هو الواقع لدى الحديث عن أي معركة جديدة في العراق، من ‏الرمادي إلى الموصل وصولاً إلى الفلوجة.‏

إنطلاقاً من الإنتصار النوعي الذي حققه ​الجيش السوري​ وحلفاؤه في ‏​مدينة تدمر​ الأثرية، طرح الكثيرون سيناريو الإنطلاق نحو المواجهة ‏المفصلية في الرقة، نظراً إلى الأهمية التي تكتسبها على الصعيدين ‏العسكري والسياسي، خصوصاً بعد الكلام عن تنسيق روسي-أميركي ‏لتحرير أحد أهم معاقل "داعش" في سوريا، الذي تم نفيه لاحقاً من ‏الجانبين، في وقت يجري الحديث فيه عن تقدم العملية السياسية في ‏الأوساط الدولية، نتيجة التوافق بين واشنطن وموسكو على الخطوط ‏العريضة، وهو ما تُرجم من خلال بدء عملية تحديد مواعيد تشكيل ‏حكومة وحدة وطنيّة، تجمع بين الحكومة الحالية وقوى المعارضة، ‏بالإضافة إلى إمكانية ولادة دستور جديد.‏

في الصورة العامة، يتم الحديث اليوم عن إحتمال أن تكون هذه المعركة ‏مشتركة، نظراً إلى عدم إمتلاك أي جهة وحدها القدرة على حسمها من ‏دون مساعدة الفريق الآخر، أي أنها ستكون بالتعاون غير المباشر بين ‏الجيش السوري و"​قوات سوريا الديمقراطية​"، تحت غطاء جوّي ‏أميركي-روسي، بحيث يتم توزيع المهام للوصول معاً إلى نقطة ‏الإنتصار، بدل خوض معارك متفرقة من المرجح ألاّ تصل إلى أي نتيجة ‏تذكر، بسبب إمكانية المراوغة لدى "داعش".‏

بالنسبة إلى الجيش السوري، بدأ التلميح إلى الإنطلاق نحو الرقة منذ ‏المعارك التي خاضها على طريق أثريا خناصر، قبل أشهر قليلة، في ‏حين كانت "قوات سوريا الديمقراطية" تتحدث عن هذا الأمر على وقع ‏المعارك التي تخوضها في ريف الحسكة، وقبل ذلك لدى سيطرتها على ‏مدينة عين عيسى، إلا أن هناك مجموعة من الأسئلة التي ينبغي أن ‏تطرح قبل الحديث عن إمكانية حصول هذه المعركة في وقت قريب، ‏أبرزها يتعلق بقدرة الجيش السوري على الإنتقال من تدمر نحو الرقّة، ‏نظراً إلى أن على طريقه هناك معارك عدّة ليست سهلة، أبرزها في دير ‏الزور التي تعتبر من أهم تحصينات "داعش" في سوريا، بالإضافة إلى ‏ضرورة إستكمال السيطرة على المناطق التي تقع على الحدود العراقية، ‏لإغلاقها بشكل كامل، الأمر الذي يتطلب توفير إمكانيات لوجستية كبيرة، ‏بسبب طبيعة المعركة في منطقة مفتوحة، في حين يبدو من الصعب ‏الإعتماد على الطرق الأخرى نحو الرقة، فهل لدى ​روسيا​ الرغبة في ‏خوض كل هذه المواجهات؟

في ما يتعلق بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، هي ليست بعيدة عن معقل ‏التنظيم الإرهابي، لا سيما بعد سيطرتها على أغلب المناطق في ريف ‏الحسكة، حيث باتت تطل على الرقة من هذا الريف، بالإضافة إلى ‏تواجدها في رأس العين، لكن قبل ذلك لديها بعض المعارك المهمة، ‏أبرزها في منبج، من دون إهمال عملية قطع خطوط إمداد "داعش" عن ‏طريق الحدود التركية، من خلال الذهاب نحو المواجهة في مدينة ‏جرابلس، إلا أن هذا الأمر يصطدم بالموقف التركي الرافض لإنتقال هذه ‏القوات نحو منطقة غرب الفرات، لا بل هو يسعى إلى دعم فصائل ‏سورية معارضة أخرى للسيطرة على الرقعة الجغرافية الممتدة من ‏جرابلس حتى أعزاز، كما تسعى القوات نفسها أيضاً إلى تعزيز تعاونها ‏مع العشائر العربية لتأمين الغطاء المناسب لها، فهل تم كل ذلك لكسر ‏خطوط أنقرة الحمراء؟

في الوقت الراهن، تتحدث بعض الأوساط الكردية عن وجود غطاء دولي ‏للدخول في هذه المعركة، بالتزامن مع الإصرار السوري على خوضها ‏حتى النهاية، على قاعدة إستعادة السيطرة على المدن والبلدات التي ‏خرجت عن سلطة الدولة، ولكن ما الذي يريده الأميركي والروسي في ‏هذه المرحلة؟ وكيف من الممكن إيجاد التركيبة التي تمنع التعارض بين ‏اللاعبين المحليين والإقليميين في حال كان التوافق بينهما كاملاً؟ لكن ‏يبقى الأهم هو السؤال عن صورة سوريا في المستقبل بعد الإنتهاء من ‏هذه المعركة.‏

في المحصلة، عمليّة تحرير الرقة نضجت على المستوى الدولي إلى حد ‏بعيد، لكنها ليست بالسهولة التي يتصوّرها البعض، وهي حكماً لن تكون ‏خلال أيام، ليبقى السؤال الأهم عن ورثة "داعش" الجدد، بالإضافة إلى ‏إمكانية تأثير هذه المعركة على تركيبة النظام السياسي في المستقبل، لا ‏سيّما بعد أن عمد الأكراد إلى الإعلان عن فيدراليتهم في الشمال، التي ‏تضم ضمن حدودها الرقة.‏